إن الحجّ إلى بيت الله الحرام، الذي هو الرّكن الخامس من أركان الإسلام، جاء في فضله، قول رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم “العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما. والحجّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنّة” وقوله، عليه الصلاة والسلام “الحجّاج والعمّار وفد الله؛ إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم” وإنّ مغفرة الذّنوب بالحجّ، ودخول الجنّة مرتّب على كون الحجّ مبروراً. وإنّما يكون الحجّ مبرورًا باجتماع أمور، في طليعتها إخلاص التّوجّه إلى الله. فسائر العبادات وكلّ الأعمال روحها ونيل ثوابها هو سرّ الإخلاص فيها. ومنها الإتيان في رحلة الحجّ بأعمال البرّ، والإحسان إلى النّاس، بالبرّ والصّلة وحسن الخلق. فلمّا سُئل النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم عن البرّ، قال: “البرّ حسن الخلق”. وهذا ما يُحتاج إليه في الحجّ كثيرًا. فيطلب من الحاجّ أن يعامل ضيوف الرّحمن بالإحسان، بالقول والفعل، سواء من رفقته، أو من سائر الحجّاج. وقد قيل: “إنّما سمّي السّفر سفرًا لإسفاره عن أخلاق الرّجال”. وحين سُئل رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم: ما برّ الحجّ؟ قال: “إطعام الطّعام وإفشاء السّلام”. وسُئل سعيد بن جبير: أيّ الحاجّ أفضل؟ فقال: “من أطعم الطّعام وكفّ لسانه”. فبحسن الخلق يضبط الإنسان جهله، ويحسن صحبة النّاس. وإلّا فلا حاجة لله بحجّه. ومن أنواع البرّ ذكر الله تعالى. وهنا نقف عند الشّعار الخالد، شعار الحاجّ، حين يحرم بالحجّ أو العمرة “لبّيك اللّهم لبّيك. لبّيك لا شريك لك لبّيك. إنّ الحمد والنّعمة لك والملك. لا شريك لك” هكذا تُرفع الأصوات، بعد الإحرام بالتّلبية لله، ونفي الشّرك عنه، وإعلان انفراده بالحمد والنّعمة والملك. ونحن ندرك أنّ من مقتضيات صحّة الاعتقاد، وفهم كلمة التوحيد “لا إله إلّا الله”، أنّها هي التي تقود المؤمن إلى إخلاص العبادة لله، وصدق اليقين بالله، والإخبات والإنابة إلى الله، وإلى محبّته وإيثاره على ما سواه، والخشية منه والرّجاء فيه.
كلمة السّيد عميد جامع الجزائر في ندوة “الحج..أسرار ومقاصد”
الجزء الأول