أيّها المؤمن: أنت في دارِ الامتحانِ والتّمحيصِ، وقد ائتمنت على أماناتٍ كثيرةٍ، فهل استشعرتَ حقًّا أنّ اللهَ شهيدٌ عليك، محصٍ عليك أنفاسَكَ، محيطٌ بخبيئَةِ نفسِكَ، فإذا ما تقلَّدْتَ مسؤوليَّةً؛ أو وُلِّيتَ منصبًا؛ أو شغلتَ أي وظيفَةٍ، فهل تستشعِرُ عِظَمَ هذه المسؤوليَاتِ؟ وهل تراقِبُ اللهَ تعالى في حقِّهَا؟ فتعتقد اعتقَادًا جازمًا بأنّ اللهَ ناظرُكَ، وشاهدُكَ؛ ومطَّلِعٌ على سرِّكَ وعلانيتِكَ، فتوفيَ الأمانَةَ حَقَّهَا، وتؤديَّ عَمَلَكَ على أَتَمِّ وجهٍ وأحسنِهِ: دون غِشٍّ أو تدليسٍ أو محابَاةٍ أو تفريطٍ أو أخذِ ما ليس لك بحقٍّ: كالرّشى وأكلِ أموالِ النّاسِ بالباطِلِ، هل تَتَذَكَّرُ قولَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم “مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا”، وقولَهُ أيضا:”كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”. يا أمّةَ حفظِ الأمانَةِ والقيَامِ بالمسؤوليَّةِ:بالأمسِ القريبِ، احتفلت الجزائِرُ بالذّكرى الوطنيَّةِ المزدوجَةِ ليومِ المجاهِدِ، وهو يومٌ من أيّامِ اللهِ المشهودَةِ، وتذكِّرنا هذه المناسبَةُ الجليلَةُ بتضحيات مجاهدِينَا الأبرَارِ وشهدائِنَا الأخيَارِ، الذين سَطَّرُوا لنا ببطولاتِهِمْ أجْمَلَ ملحمَةٍ، وتركوا لنا أَثْقَلَ أَمَانَةٍ، ألا وهي أمانَة هذا الوَطَنِ المُفَدَّى الجزائر، بثوابتِهِ الراسخةِ؛ وتاريخِهِ العظيمِ، وبطولاتِهِ الفذَّةِ، ومن الوفاءِ بعهدِ الشّهدَاءِ والمجاهدين، أن نعمَلَ جاهدين لأجلِ الحفَاظِ على هذا الوَطَنِ من الفرقَةِ والشِّقَاقِ والتّنازُعِ، وأن نُقْبِلَ صادقين على الاستحقَاقِ الوطنِيِّ الذي تنتظرُهُ أجيَالُ المستقبَلِ، استكمالًا لمسيرَةِ البنَاءِ والإِعْمَارِ، وقطعًا لطريقِ التّشوِيشِ والفتنَةِ التي يسعى إليها الشّانِئُونَ والحاقدون، فاعملوا جاهدين على حِفْظِ الأمانَةِ، “وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُلًا” الإسراء: 34. اللّهمّ لا تدع لنا في هذا المقامِ ذنبًا إلّا غفرتَهُ، ولا همًّا إلّا فرّجتَهُ، ولا دينًا إلّا قضيتَهُ، ولا مريضًا إلّا شفيتَهُ، ولا عدوًا إلّا خذلتَهُ وقصمتَه، اللّهمّ انصر من نَصَرَ الدّينَ، واخذل من خَذَلَ المسلمين. اللّهمّ خذ بيدِ إخوانِنا الفلسطينيين إلى البِرِّ والتّقوى، اللّهمّ أطعم جائِعَهُمْ، واستر عارِيَهُمْ، وأمِّن خائِفَهُمْ، وتقبّل شهيدَهُمْ، وانصرهم على عَدَوِّك وعدوِّهِم نصرًا مؤزّرًا.
الجزء الثالث والأخير من خطبة الأمانة من جامع الجزائر