إن القرآن الكريم دستور البشرية لإصلاح العباد، وتحقيقِ مصالح الدنيا والدين ويومَ المعاد، ضمّنه الله تعالى مصادر التربية والتعليم؛والتوجيه والإصلاح؛ وتزكية النفوس وتهذيبها بإذعانها لشرع الحكيم العليم، فالقرآن الكريم تطرق لمختلف المجالات والميادين التي تهمُّ شأن الإنسان في دينه ومعاشه. ومن أهم مظاهر التربية والتوجيه والإصلاح التي جاء بها الكتاب المبين:سنةُ التغيير الإيجابي، أو التجديدُ في معالم الدين بانتهاج سنة التدرج، وكيفيةُ أخذ الناس بها والالتزام بمضامينها. إن التجديد سنة إلهية، تشمل كل نواحي الكون، إذ يُحكم على الشيء الذي لا يتجدَّدُ بالاضمحلال والتبدد، ومن حكمة الله تعالى في تشريع أحكام الدين، أن جعلها خاضعة لهذا الناموس الكوني، فتحتاج الأمة لمن يجدِّدُ لها أمر دينها، فيحيي ما أندرس من معالم الدين، ويفتي في مستجِدَّات العصر بالحجة والبرهان، على وَفق قواعد العلم المتين، ويبيِّنُ للناس ما يتغير من أحكام بتغير الأزمان والأمكنة والأعراف والأحوال، وينبري لإظهار السنن المتروكة، ومجابهة ما ابتدعه أصحاب الأهواء من بدع قديمة؛ وأخرى جاءت بها العلمانية الحديثة والتيارات التغريبية الهدامة. والتجديد في الدين لا ينافي الأصالة التي نتمسك بثوابتها، إذ ترفضُ طبيعةُ الدين الانكفاءَ على كل قديم، ورفضَ كل جديد، إذ يُعتبر هذا المفهوم الخاطئ قتلا للإبداع؛ وإغلاقا لباب الاجتهاد، ودعوةً إلى الجمود والركود، وهو مناف لمقاصد الإسلام العظيمة. إن مبررات التجديد كثيرة ومتعددة، ولعل من أبرزها كما يذكر صاحب كتاب من فقه الداعية ” التغيرات الهائلة في الحياة المعاصرة، فالتقدم التقني في مجالات الاتصالات والمجالات الصناعية والطبية وغيرها، وكلُّ ذلك يحدث وقائع تحتاج لأحكام شرعية، وبعضها كان موجودا لكن بصفة مبسطة كمسائل الإجارة وأحكام الشركات”. لذا يجب علينا لزاما أن نعمل على تفعيل هذه الخاصية في التعامل مع أحكام الدين، ضمن المفاهيم الشرعية الأصيلة، وانسجاما مع تطور الحياة وتعقدها، ولعل من أهم ما ينبغي التجديد فيه: مراجعةُ التراث الفقهي مراجعة علمية دقيقة، وتنقيته من الشوائب التي علقت به، والتخصص في فقه النوازل والمستجدات، وإيجادُ الحلول الشرعية لها، واستخدام لغة العصر الميسورة في التبليغ، والحرصُ على بيان مقاصد التشريع وحِكَمِه، وربط الجزئيات بالكليات، والتصدي للشبهات المعاصرة في العقيدة والشريعة والأخلاق، والاستفادة مما توصل إليه العقل البشري في مختلف المجالات، وحريٌّ بنا ونحن في ختام هذه السنة الهجرية، ومقبلون على عام جديد، أن نستشرف المستقبل باستحضار معاني التجديد لانطلاقة قوية؛ واضحة المعالم؛ في شتى الميادين.
خطبة الجمعة من جامع الجزائر -الجزء الأول-