إن تغيير الأنفس والأمم والحضارات والمجتمعات ونقلَها من حالة إلى أخرى، إنما يكون بالتدرج والمرحلية، وفقا لمبدأ الأولويات، فيُبتدأ بالأمور الأساسية قبل الانتقال إلى الأمور الجزئية، فأول ما يحرص عليه المرء المسلم تصحيحُ الاعتقاد؛ ونبذُ الخرافات والخزعبلات التي عشعشت في أذهان الناس، ثم الاهتمامُ بجانب العبادات كالصلاة والزكاة والصيام، أو ما يتعلق بجانب المعاملات كالبيع والشراء وغير ذلك، حتى يعبد الإنسان ربه على بصيرة وعلم، ثم يتوج إذعانه لله رب العالمين بالتخلق بأخلاق الفضيلة، وهكذا يعلمنا القرآن الكريم هذه السنة: سنة التدرج في تشريع الأحكام وتغيير النفوس والجماعات، وإذا حاولنا أن نسقط هذا المنهج على حياتنا نجد أمورا كثيرة تخضع له. فلا يتصور مثلا أن تشدد على الإنسان في حكم التدخين؛ وهو آكل للرشوة مستحل للربا، فالأولى أن نعمل على أن يقلع عن الكبائر قبل زجره عن الصغائر، ولا يعقلُ أن تطالَبَ المرأة المسلمة بستر وجهها وهي لم تستر بعد أطرافها وساقيها، ولا يقبل من ناصح أن يرغِّب الناس في قيام الليل وهم يضيعون الفرائض، والعجب ممن يعق والديه ويضيع أولاده؛ وتجده حريصا على أداء بعض العبادات البدنية على أتم وجه، ومن أقبح ما تجده في واقع الناس من يتنزه عن بعض النجاسة في صلاته، ويحرص على طهارة ثوبه، وهو غارق في أعراض الناس وأموالهم ودمائهم، وصدق ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى حين قال في حِكَمِهِ: “من علامات إتباع الهوى، المسارعةُ إلى نوافل الخيرات والتكاسلُ عن القيام بالواجبات”. أيها المؤمنون الصادقون:اعملوا على تغيير أنفسكم إلى الأحسن شيئا فشيئا، وادعوا غيركم لدين الله تعالى والالتزام به بالتدريج، ولا تقفزوا إلى مرحلة على حساب ما قبلها، وراعوا في حياتكم كلها هذا المبدأ العظيم، فهو طريق التغيير الإيجابي في كل مناحي الحياة.
خطبة الجمعة من جامع الجزائر – الجزء الثالث والأخير –