إن الله تعالى قد أمرنا بالاقتداء بخيرة الخلق، وسادة البشر، وهم أنبياؤه ورسله عليهم الصلاة والسلام، وقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بأن إخوانه الأنبياء قد اتخذوا حرفا ومهنا وصنائع، فضربوا للناس أروع الأمثلة في التعفف عن السؤال بالعمل والكسب الحلال، جاء في الأثر الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كان زكرياء-عليه السلام- نجارا” رواه مسلم، وعنه uقال: ” ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم” فقال أصحابه وأنت ؟ فقال: ” نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة” صحيح البخاري، وقال أيضا: ” ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده” صحيح البخاري، قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- تعليقا على الحديث: ” وفيه الحضُّ على التعفف عن المسألة والتنزه عنها، ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق، وارتكب المشقة في ذلك، ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يُفَضِّلْ ذلك عليها، وذلك لما يدخُلُ على السائل من ذلِّ السؤال، ومن ذل الرَّدِّ إذا لم يُعْطَ”. إن عظمة الإسلام تكمن في تثمينه العملَ الصالح وتشريفه بمفهومه الشامل، فكل ما تنتجه يد المؤمن من عمل نافع فهو صدقة يؤجر عليها، سواء تعلق بأمور الدين كفعله للطاعات والقربات، أو تعلق بأمور الحياة والمعاش، كالتكسب من طريق حلال، أو ما ينفع به غيره كإغاثة الملهوف وإعانة الصانع، بل وحتى كفُّه شرَّه وأذاه عن الناس يُعْتَبَرُ صدقة منه على نفسه، فعن أبي ذر رضي الله عنه-كما في مسلم- قال: قلت:يا رسول الله؛ أي الأعمال أفضل ؟ قال الإيمان بالله والجهاد في سبيله، قال: قلت: أي الرقاب أفضل ؟، قال: أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا، قال: قلت: فإن لم أفعل ؟ قال: تعين صانعا أو تصنع لأخرق، قال: قلت: يا رسول الله؛ أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟، قال: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك”، فما أعظم دين الإسلام الذي يعتبر ترك الأذى عملا صالحا يؤجر صاحبه عليه.
الجزء الثاني من خطبة للأستاذ الدكتور عماد بن عامر