إنّ الجزائر التي كانت مثلا يحتذى في الصمود والمقاومة والجهاد، لهي قادرة، بإذن الله، على أن تكون مثلا في تثبيت دعائم استقلالها، وتحقيق ذاتها، والتخلّص من كلّ أنواع التبعيّة لغيرها. وكلّ ذلك من مبادئ نوفمبر، وأهداف الاستقلال؛ ولا سيما ما يتعلّق منها بمقوّمات أمّتنا وثوابتها: عقيدة، ولغة، وثقافة وطنية، وقيما روحية وأخلاقية. إنّها أمانة الشهداء في اللّاحقين، وإنّها لعهد في رقابنا متين. وكما ينبغي لنا أن نحسن تلقّي الرسالة، ينبغي أن نحسن تبليغ الرسالة. نريد أن يتحقّق التواصل بين جيل الجهاد وجيل الاستقلال، وربط الجيل الجديد بماضيه المجيد، وتأهيله لحفظ أمانة الاستقلال، وتجنيده نحو أهداف سامية لخدمة دينه ووطنه. وإذكاء الحسّ الوطني في نفسه، وتعزيز الشعور بالانتماء لديه؛ حتى لا يتنكّر لهوّيته وثوابت أمّته، وينقلب خصما لدينه ووطنه. إنّ أمانة الاستقلال هي الجزائر، بوحدة شعبها ووحدة أرضها. هي الجزائر التي يشعر كلّ مواطن فيها أنّها وطن لجميع أبنائها، يعيشون في أيّ بقعة من أرضها، تتكافأ فيها فرصهم، وتتساوى حقوقهم، على اختلاف جهاتهم وانتماءاتهم، وتعدّد ألسنتهم وتنوّع اختياراتهم، لغة القرآن توحّد فكرهم وخطابهم، ورابطة الإسلام تجمعهم وتؤلّف بينهم. هي الجزائر، بماضيها الحافل بالأمجاد وحاضرها المتطلّع إلى التجديد، وإلى بناء المستقبل على أسس متينة وقواعد صحيحة ترتكز على القيم الروحية والوطنية الّتي كان التحامها سرّ تماسك شعبنا، عبر الأجيال، ولاسيما في أوقات المحن والشدائد في عهد الاحتلال. تلكم هي رسالة الشهداء إلى الأجيال، وقد كنّا وسنظلّ أوفياء لها، نبلّغها ونذكّر بها؛ لتبقى حيّة في ذاكرة الأمّة، على مدى الأيام، تتفاعل معها، وتعمل لتجسيد أهدافها وبلوغ غاياتها. هذا، وفي الختام، نرفع أكفّ الضراعة بالدّعاء للبارئ جلّ وعلا، نسأله تعالى أن يحفظ للجزائر وحدتها وأمنها واستقرارها، وأن يجعل يومها خيرا من أمسها، وغدها خيرا من يومها، ويجمع قلوب أبنائها على التقى، ونفوسهم على الهدى، وعزائمهم على الرشد وعلى حبّ الخير وخير العمل. إنّه وليّ ذلك القادر عليه.
الجزء الأخير من كلمة السيّد عميد جامع الجزائر بمناسبة اليوم الوطني للذاكرة