أنوار رمضانية… هل صمنا كما ينبغي؟!

أنوار رمضانية… هل صمنا كما ينبغي؟!

مضى رمضان، وانقضت منه أيام مباركة وانطوت ليال فاضلة، وذهبت ساعات نيرات كأنما هي لحظات، وهكذا هو العمر يمضي بلا توقف حتى ينتهي، ولا والله يفوز بالخير مؤجل مسوف، ولا ينجو من الشر متباطئ متوقف، وإنما النجاة والسلامة والفوز والظفر للمسارعين والمسابقين، الذين يمضون لغايتهم قصدًا ولا يتلفتون، لقد صام مَن أدرك الغاية من الصيام، فصام قلبه وسائر جوارحه، وحفظ أمر ربه ونهيه، وحافظ على ما افترضه عليه، فأدَّاه كاملاً غير منقوص، ونظر فيما حرَّمه عليه، فاجتنبه كله، وبقي أناس حرموا أنفسهم الطعام، وامتنعوا من الشراب فحسب، وأما الصيام المشروع الذي يرفعهم وينفعهم، فلا يظن أنهم بلغوه بعدُ. قال سبحانه “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” البقرة: 183.

إن للصيام الحقيقي ثمرةً بينةً ونتيجةً واضحةً، من لم يرها على نفسه وتظهر في خلقه ويجدها في حياته، فليعلم أنه ما صام بعدُ ولا عرَف حقيقة الصيام، وإن هو أمسك عن المفطرات الحسية وترك الشراب والطعام، وواصل في ذلك الليالي والأيام، ومن لم يتق الله بفعل المأمور وترك المحذور، فما عرَف حقيقة الصيام، ومن لم يعمل بطاعة الله على نور من الله، راجيًا ثوابه خائفًا من عقابه، فما عرف حقيقة الصيام، ومن لم يخف الجليل ويعمل بالتنزيل، ويقنع بالقليل، ويستعد ليوم الرحيل، فما عرف حقيقة الصيام، هل عرف حقيقة الصيام من أمسك عن الطعام والشراب، ثم قضى نهاره كله نائمًا؟! هل صام من أطلق بصره في قنوات الشر والباطل ليلاً ونهارًا؟! إن الصيام الحقيقي، عبادة تشترك فيها القلوب والأسماع والأبصار، والألسنة وسائر الجوارح، فتشغل بكل ما يحبه الله ويرضاه، وتمنع عن كل ما يسخطه ويأباه، ومن لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه، ومن ملأ وقته باللغو والرفث والفحش والكذب، فقد جرح صيامه، ومن اشتغل بالغيبة والنميمة والطعن في أعراض الناس فقد عرض حسناته للتلف، ومن أكل أموال الناس بالباطل أو آذى المؤمنين بغير ما اكتسبوا، فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا.