أنوار رمضانية… ماذا بعد رمضان؟

أنوار رمضانية… ماذا بعد رمضان؟

في الأيَّام الماضية كنتم في شهْر رمضان شهر البركات والخيرات، شهر مُضاعَفة الأعمال والحسنات، تصومون نهارَه، وتقومون ما تيسَّر من ليله، وتتقرَّبون إلى ربكم سبحانه  بفعل الطاعات، وهجر المباح من الشهوات، وترك السيِّئات الموبِقات، ثم مَضَتْ تلك الأيَّام، وقطعتم بها مرحلةً من مراحل العمر والعمل بالختام، فمَن أحسن فليحمد الله وليواصل الإحسان، ومَن أساء فليتب إلى الله وليُصلِح العمل ما دام في وقت الإمكان. واعلَمُوا أنَّ الله تعالى يُعطِي الدنيا مَن يحبُّ ومَن لا يحبُّ، ولا يعطي الدين إلا لِمَن أحبَّ، فمَن أعطاه الله الدين فقد أحبَّه، وإنَّ الله تعالى إذا أراد بعبده الخير فتَح له بين يدي موته بابَ عملٍ صالح يَهدِيه إليه، ويُيَسِّره عليه، ويُحَبِّبه إليه، ثم يتوفَّاه عليه، وكلُّ امرئ يُبعَث على ما مات عليه، فالزَمُوا ما هَداكم الله له من العمل الصالح، واحذَرُوا الرجوع إلى المنكرات والقبائح، فليس للمؤمن منتهى من العباد دون الموت؛ قال تعالى “وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ” الحجر: 99.

فنهْج الهدى لا يتحدَّد بزمان، وعبادة الرب وطاعته ليست مقصورةً على رمضان، بل لا ينقطع مؤمنٌ من صالح العمل إلا بحلول الأجل؛ فإنَّ في استدامة الطاعة وامتداد زمانها نعيمًا للصالحين، وقرَّة أعين المؤمنين، وتحقيقًا لأمل المحسنين، يُعمِّرون بها الزمان، ويملؤون لحظاته بما تيسَّر لهم من خِصال الإيمان التي يثقل بها الميزان، ويتجمَّل بها الديوان، وفي الحديث: “خيرُ الناس مَن طالَ عُمرُه وحَسُنَ عملُه”. وفي الحديث المتَّفَق على صحَّته عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم قال: “لا يتمنَّينَّ أحدُكم الموتَ؛ إمَّا محسنًا فلعلَّه يزداد، وإمَّا مسيئًا فلعلَّه يَستَعتِب”. وإنَّ لقبول العمل علامات، وللكذب في التوبة والإنابة أمارات، فمن علامة قبول الحسنة فعلُ الحسنة بعدَها، ومن علامة السيِّئة السيِّئة بعدَها، فأَتْبِعوا الحسنات بالحسنات تكن علامةً على قبولها، وتكميلاً لها، وتَوطِينًا للنفس عليها، حتى تصبح من سَجاياهم وكريم خِصالها، وأَتْبِعوا السيِّئات بالحسنات تكن كفَّارةً لها، ووقايةً من خطرها وضررها؛ ” إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ” هود: 114.