في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه”. أيَّ شيء أدرك مَن أدركَه في رمضان الحِرمان؟! كم بين من حظُّه فيه القَبول والغفران، ومن كان حظه فيه الخيبة والخسران! ربَّ قائم حظه من قيامه السهر، وصائم حظه من صيامه الجوع والعطش. قال بعض العلماء: الاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها، فتختم به الصلاة والحج وقيام الليل، وتختم به المجالس؛ فإن كانت ذِكرًا كان كالطَّابع عليها، وإن كانت لغوًا كانت كفَّارة لها؛ فلذلك ينبغي أن تَختم صيام رمضان بالاستغفار.
كتب عمرُ بن عبد العزيز إلى الأمصار يأمرهم بختم رمضان بالاستغفار، وصدَقة الفطر؛ فإن صدقة الفطر طُهرةٌ للصائم من اللغو والرفث، والاستغفار يَرفع ما تَخرَّق من الصيام باللغو والرفث… وقال في كتابه: قولوا كما قال أبوكم آدم عليه السلام: ” رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ” الأعراف: 23، وقولوا كما قال نوحٌ عليه السلام ” وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ” هود: 47، وكما قال موسى عليه السلام: ” رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ” القصص: 16. و في سنن أبي داود وغيره عن أبي بَكْرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يقولن أحدكم: صمتُ رمضان كلَّه، ولا قمتُ رمضان كلَّه”، قال أبو بَكْرة: فلا أدري أكَرِه التَّزكية أم لا بدَّ مِن غفلة. كيف لا تَجري للمؤمن على فراقه دموع، وهو لا يَدري هل بقي له في عمره إليه الرجوع؟!. يا شهر رمضان ترفَّق؛ فقلوب المحسِنين من ألم الفراق تشقَّق، عسى وقفة الوداع تطفئ من نار الشوق ما أحرق… عسى أسيرُ الأوزار يطلق، عسى من استوجب النار يُعتق.