عندما نسمع حديث المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم: “من لم يدع قولَ الزُّور والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه” رواه البخاري والترمذي وأبو داود، نُدرك أهمية هذا النوع من الانتصار في شهر رمضان، فمن لم يستطع أن ينتصر في معركته مع لسانه – خاصة وهو صائم – لا يُمكنه أن ينتصر في معركته مع شيطانه وشهواته، بل إنَّ الانهزام أمام اللسان وآفاته يُؤدي بصاحبه إلى الإفلاس الذي عبر عنه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله: “أتدرون من المفلس؟”، قالوا: المفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: “إنَّ المفلس من أمتي مَن يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإنْ فنيت حسناته من قبل أنْ يقضي ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار” رواه مسلم.
لذلك؛ كان الصيام تدريبًا عمليًّا للعبد على مُمارسة عبادة: “أمسك عليك لسانك”، وامتلاك القُدرة على التحكُّم فيه وكبح جماحه، وتوظيفه في الخير والطيب من القول، وقد ربط القرآن الكريم بين الهداية إلى صراط الله المستقيم، وبين الهداية إلى الكلام الطيب، وكأنَّه يريد أن يؤكد لنا أنهما متلازمان، لا يُمكن أن يتحقق الثاني، حتى يتم الالتزام بالأول؛ فقال سبحانه: “وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ” الحج: 24. فالانتصار على اللسان وآفاته من عدمه معيار مُهِم، يَعرف من خلاله المؤمنُ الصائم مدى توفيقه ونَجاحه في مدرسة رمضان، وحصوله على كنوزه ومنحه ونفحاته وجوائزه التي لا تعدُّ ولا تُحصى.