إنَّ لحظات التأمُّل ومُكاشفة الذات، تُتيح للإنسان فرصة التعرُّف على أخطائه ونقاط ضَعْفه، وتدفعه لتطوير ذاته نحو الأفضل، فثمرة المحاسبة إصلاح النفس، وشهر رمضان ينبغي أن يشكِّل شهر مراجعة وتفكير، وتأمُّلٍ ومحاسبة للنفس؛ إذ حين يَمتنع الإنسان في هذا الشهر الكريم عن الطعام والشراب وبقيَّة الشهوات التي يلتصق بها يوميًّا؛ فإنه يكون قد تخلَّص من تلك الانجذابات الأرضية؛ مما يُعطيه فرصة للانتباه نحو ذاته ونفسه. فشهر رمضان كما يصوِّره الأستاذ محب الدين الخطيب : “كعقرب الساعة الذي يصل إلى الموضع الذي يعقد الصائم جَرسها عليه، فيُنبِّهه إلى حلول الوقت الذي هو في انتظاره، فيخرج مما هو فيه؛ وكأنه كان نائمًا فاسْتَيْقظَ؛ فذلك مثل شهر رمضان مع غيره من أشهر السَّنة، يكون الناس قبله كالقافلة التي تَسري في جوف الليل لا تعرف من الوجود شيئًا غير أنها تسري، فيُطِل عليها القمر من وراء الجبال، فيبدو لها كلُّ أمر من أمورها كأنما هو جديد”. ورَحِم الله الإمام الفُضيل بن عِياض عندما قال: “مَن حاسَب نفسه قبل أن يُحاسب، خَفَّ في القيامة حسابه، وحضَر عند السؤال جوابه، وحَسُن مُنقلبه ومآبُه، ومَن لَم يُحاسب نفسه، دامَت حَسراتُه، وطالَت في عَرَصات القيامة وقَفاته، وقادته إلى الخِزي والمَقْت سيِّئاته، وأكْيَسُ الناس مَن دان نفسه وحاسَبها وعاتَبها، وعَمِل لِمَا بعد الموت، واشتغلَ بعيوبه وإصلاحها”. ومجالات محاسبة النفس كثيرة وهي كما ذكَرها د. مجدي الهلالي تشمل:
– عبادة الجوارح: الصلوات الخمس، السُّنن الرواتب، أذكار الصلاة، صيام رمضان وصيام التطوُّع، مداومة الإنفاق في سبيل الله، أذكار الصباح والمساء، تحرِّي السُّنة في الأقوال والأفعال.
– عبادات القلب: الخوف من الله واستشعار مراقبته، الرضا بقضاء الله وقدره، التوكُّل على الله، الصبر عند المصيبة، الشكر عند ورود النِّعم.
– السلوكيَّات وفضائل الأعمال: السعي لقضاء حوائج الناس، لين الجانب، عيادة المريض وإتباع الجنائز، الإحسان إلى الآخرين، وأداء الأمانات إلى أهلها.