أنوار رمضانية… رمضان والمراقبة

أنوار رمضانية… رمضان والمراقبة

بين الصيام والمراقبة صِلة وثيقة، فالصوم في الحقيقة سرٌّ بين العبد وربِّه، لا يَطَّلِع على حقيقته إلاَّ الله، وما يزال الصوم يقوِّي من صفة المراقبة؛ حتى تصير مَلَكة من الملكات النفسيَّة، وإذا صارَت مَلَكة راسخة، تحكَّمت في سلوك الإنسان ووجَّهته إلى المسارعة في الخيرات والإحجام عن المنكرات، فكلما أمَرته نفسه الأمَّارة بالسوء بمنكرٍ، تذكَّر رقابة الله تعالى واطِّلاعه عليه، وصدَق الله حيث يقول ” إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ” الأعراف: 201. والمراقبة هي دوام عِلْم العبد وتيَقُّنه باطِّلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، وهي ثمرة عِلْم العبد بأنَّ الله رقيب عليه، ناظرٌ إليه، سامعٌ لقوله، وهو سبحانه مُطَّلع على عمله كلَّ وقتٍ وكلَّ لحظة، وكلَّ طرفة عين؛ ” وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ” الحديد: 4، قال الحارث المُحاسبي: “والمراقبة في ثلاثة أشياء: مراقبة الله في طاعته بالعمل، ومراقبة الله في معصيته بالتَّرْك، ومُراقبة الله في الهمِّ والخواطر”. ولله دَرُّ القائل: “فيا مُطلقًا نفسَه فيما يشتهي ويُريد، اذْكر عند خُطواتك المُبدئ المُعيد، وخَفْ قُبْحَ ما جرى؛ فالمَلك يرى، والملك شهيد؛ ” وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ” ق: 16.

هلاَّ استحييتَ ممن يَراك إذا رَكِبت من هواك ما نهاك، ستبكي والله عيناك مما جَنَت يداك، أمَا تعلم أنه بالمرصاد، فقل لي: أين تَحيد؟ ” وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ” ق: 16. لو صدَق عِلمُك به لراقبتَه، ولو خِفْت وعيده في الحرام ما قارَبته، ولو عَلِمت سمومَ الجزاء في كأس الهوى ما شَرِبتَه؛ ” وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ” ق: 16. ما ظنُّك بِمَن يُحصي جميع كلماتك، ويَضبط  كلَّ حركاتك، ويشهد عليك بحسناتك؟ أتظنُّ أنك متروك، مُهمَل؟ أم تَحسِب أنه يَنسى ما تعمل؟ أم تَعتقد أنَّ الكاتب يغفل؟ كلاَّ ” وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ” ق: 16.