أنوار رمضانية… رمضان والصبر

أنوار رمضانية… رمضان والصبر

الصبر قوَّة خلقيَّة من قوى الإرادة، تمكِّن الإنسان من ضبْط نفسه؛ لتحمُّل المتاعب والمَشقَّات والآلام، وضبْطها من الاندفاع بعوامل الضَّجر والجَزَع، والسأم والمَلل، والغضب والطيْش، والخوف والطمع، والأهواء والشهوات والغرائز. ورمضان شهر الصبر؛ لِمَا فيه من حبْس النفس عن المُفطرات المادية والمعنويَّة، فحَبْس النفس عن شهواتها في أيام شهر كامل، فيه تدريب لها على اكتساب الصبر؛ لأنه مَن استطاع بإرادته أن يكفَّ نفسه عن الشهوات المباحة في غير الصوم، والتي يُمارسها في العادة، ويَصبر على كفِّ نفسه عنها خلال أيام شهر كامل، استطاعَ أن يكفَّ نفسه بعد ذلك، فيَصبر عن الشهوات المحرَّمة، ويَصبر على الطاعات التي فيها تكليف للنفس، ويَصبر على المصائب؛ لأنه قد تدرَّب بالصيام المشروع في رمضان على خُلُق الصبر. أليس ما يتطلَّبه الصوم من الصائم أن يكون على سَمتٍ خاص في العبادة، وأن يكفَّ نفسه عن شهوات بطنه وفرْجه، ولسانه عن الفُحش في القول، وجوارحه عن فعْل ما يؤثم؟ وهل الصبر إلا حَبْس النفس على ما تَكره، وصرْفها عمَّا تحبُّ وتشتهي؟ فالصبر ثمرة من ثمرات الصوم وغاية من غاياته.

والصبر ثلاثة أنواع – كما قال أهل العلم، وهي: صبْر على طاعة الله، وصبْرٌ عن معصية الله، وصبْرٌ على أقدار الله، ومرجع هذا أنَّ العبد في هذه الدنيا بين ثلاثة أحوال: بين أمرٍ يجب عليه امتثاله، وبين نهي يجب عليه اجتنابه وترْكه، وبين قضاء وقدرٍ يجب عليه الصبر فيهما، وهو لا ينفكُّ عن هذه الثلاث ما دام مُكلفًا، وهو محتاج إلى الصبر في كل واحدٍ منها. فما أحوجنا إلى الصبر في زمان تلوَّنت فيه الشُّبهات، وتزيَّنت فيه المنكرات، وتَزَخْرفت الدنيا، وظنَّ أهلها أنهم قادرون عليها. وما أحوجنا إلى الصبر وقد حشَد الشيطان جنوده وأتْباعه، من أجْل إغواء الناس وإضلالهم، وصدِّهم عن طاعة الله وعبادته. وما أحوجنا إلى الصبر إذا ادْلَهَمَّت الأمور، وعَظُمت المصائب، ونزل المكروه، وانسدَّت المطالب، وهيْمَن القلق، واشتدَّ الخوف.