إنَّ هموم الحياة ومشاغلها وضغوطها تنحت من الجانب الرُّوحي والإيماني للمؤمن، فإن لم يتعهدها دائمًا بالتجديد والتزود، فإنَّه الهلاك بعينه، فتأتي نفحات رمضان الرُّوحية؛ ليستدرك بها وفيها ما نقص من إيمانه، وما تآكل وهزل وجف من روحه، فيجدد التوبة والأوبة والرجوع إلى مولاه، ويكثر من الاستغفار والتذلُّل والانكسار والإنابة إليه، ويتصالح مع الصلاة والقرآن والأذكار، ويكثر من الصدقة والإنفاق في سبيل الله، فما يَمر عليه الشهر إلا وهو ممتلئ روحيًّا يَقِظٌ إيمانيًّا، ويجد نفسه وقد ردت إليه روحه التي كاد أنْ يفقدها في زحمة المغريات والشهوات، وتخلص من تآكلها وهزالها وجفافها، بعد أن كانت قاحطة جدباء، وأنَّها قد أشرقت بنور ربها، بعد أن أظلمت وادْلَهَمَّت بكثرة الذنوب والمعاصي والآثام والتقصير في جنب الله عزَّ وجلَّ فيخرج من محطة الصيام، وهو أقوى إيمانًا، وأرقُّ فؤادًا، وأنور قلبًا، وأهنأ بالاً، وأكثر اطمئنانًا، وأشفُّ روحًا، وأشد عزمًا، وأصلب عودًا، وأوفر سكينة، وأعظم زادًا، فما عليه إلا أنْ يواصل الترقي الرُّوحي ويُحافظ على كل ذلك؛ لينتفع بها بعد رمضان.
فالحذرَ كل الحذر أن يخرج عليك رمضان أخي المؤمن وأنت تراوح مكانك روحيًّا، فلا أنت تخلصت من جفافها وتآكلها، ولا أنت استطعت أنْ تتفوق في عمليتي التخلية والتحلية، فإنْ كان وهو ما لا نتمناه لك، فاعلم بأنك قد انهزمت في معركة الروح، وأنك حرمت بركات الشهر وفضائله. فهذه أيام الانتصارات ينبغي على العبد المؤمن الصائم أنْ يُحققها، وأن تكون برنامجه العملي في رمضان؛ حتى يحكم له بأنه قد كُتِبَ في عداد الفائزين والنَّاجحين والحاصلين على الجوائز، وأنه قد قدم الدَّلائل العملية البينة والقوية للقبول في مدرسة الثلاثين يومًا، ووضع لبنة صالحة لتقريب موعد النَّصر وزيادة فرصه للأمَّة ودينها، وبأن لا يكون حَجَرَ عَثرة في طريق تحقيق ذلك بتكاسله وهزائمه المتكررة أمام شيطانه وشهواته ونفسه وهواه ولسانه.