هذه أيامُ شهركم ولياليه تُطوَى، وهي شاهدةٌ بما عملتم: ” يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ ” آل عمران: 30، يُنادي ربُّكم جلَّ وعلا: “يا عبادي، إنَّما هي أعمالُكم أُحصيها لكم، ثم أوفيكم إيَّاها، فمَن وجد خيرًا فليحمدِ الله، ومَن وجَد غير ذلك فلا يَلومنَّ إلا نفْسَه”. وَيَا لله، كَم لَهُ في هذا الشهر مِن عَتِيقٍ مِنَ النِّيرَانِ! وَالمُوَفَّقُ مَن وَفَّقَهُ اللهُ وأعانَهُ، والمخذولُ مَن وُكِلَ إِلى نَفسِه، فَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَشَيطَانَهُ. فشهرُ رمضانَ يوشِك على الوداع، وقد يكون وداعًا أخيرًا، فكم مِن مستقبِل له لم يستكملْه! وكم مِن مؤمِّل بعودٍ إليه لم يدركْه! وإنْ كان في النفوس هِمَّة، فقد بقيتْ مِن أيَّامِه بقيَّةٌ، خمس ليالٍ مِن العَشر الأخيرة، وقد تَزيد ليلةً لتمامِ الثلاثين، فهل تضيع هذه البقيَّة في غير قُرْبة؟ هل تفتر العزائم؟ هل نتمنَّى على الله الأماني؟ هل نُحسِن الظنَّ ونُسيء في العمل؟ هل نرجو رحمةَ الله مع إصرارنا على العصيان؟ هل نبكي خوفًا دون ترْك ما يُخاف منه؟ هَلْ فِينَا مَن لا يُريدُ العِتقَ مِنَ النَّارِ؟! هَل فينا مَن لا يَطمَعُ في الجَنَّةِ؟! كلاَّ والله.
إذًا، فَلْنَجتَهِدْ عبادَ الله، في هَذِهِ العَشر؛ طَلَبًا لِلَيلَةِ القَدرِ؛ “وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ” القدر: 2. فهذا نبيُّكم عليه الصلاة والسلام في العَشْر المباركة لا يَدَع أحدًا من أهله يُطيق القيامَ إلاَّ أقامَه؛ لعِلمه ما فيها من الأجْر، يطرق عليه الصلاة والسلام البابَ على فاطمة وعليٍّ رضي الله عنهما قائلاً: “ألاَ تقومانِ فتصليان”، يطرق الباب وهو يتلو ” وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ” طه: 132، ويتَّجه إلى حُجرات نسائِه آمرًا: “أَيْقِظوا صواحبَ الحجرات، فرُبَّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة”. ألاَ فلْنَستَعِذْ بِاللهِ مِنَ العَجزِ والكَسَلِ، ولْنَسأَلْه التَّوفِيقَ والإِعَانَة، وَلْنَتَوَكَّلْ على الله، وَلْنُضَاعِفِ العَمَل، وَلْنَستَكثِرْ مِنَ الخَير، وَلْنَتَقَرَّبْ إليه سبحانه، وَلْنُكثِرْ مِن دعائِه وَالتَّضَرُّعِ إِلَيه، ولا سِيَّما ما جاء عَن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيتَ إِنْ وافقتُ لَيلَةَ القَدرِ ما أَقُول؟ قال: “قُولي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فَاعفُ عَنِّي”.