أنفق المال طلباً لمرضاة الله تعالى

أنفق المال طلباً لمرضاة الله تعالى

 

إن المال محبوب بالطبع، بَيْدَ أن الاستغراق في حبه يذهل النفس عن حب الله تعالى وعن التأهب للآخرة، فاقتضت حكمة الشرع تكليف مالك المال بإخراج جزء منه محدّد من يده ليصير ذلك الإخراج كسراً من شدة الميل إلى المال، وتنبيهاً للإنسان على أن سعادته لا تحصل عند الاشتغال بطلب المال، وإنما تحصل عند إنفاق المال في طلب مرضاة الله تعالى، وهو المراد بقوله سبحانه: “خذ من أموالهم صدقة تطهِّرهم وتزكيهم بها…”. وفي إخراج الزكاة إظهارٌ للعبودية لله تعالى، وامتثال أوامره بصرف جزء من المال الذي هو أحب الأشياء إلى النفس. إنّ إخراج الزكاة شكر لنعمة الغنى الذي أنعم الله به على المزكي، إذ الشكر – كما قيل – صرف العبد جميع ما أنعم الله به من النعم واستعمالها فيما وضعت له. إنّ شكر نعمة الله سبحانه يكون بأمور منها امتثال أمر الله في المال بإخراج جزء منه إلى الفقراء والمساكين رحمةً بهم وتعطفاً عليهم، ومن لم يشكر النعم فقد تعرّض لزوالها.

وإذا علم الفقراء أنّ الرجل الغني يصرف إليهم بعض ماله، وأنه كلما كان ماله أكثر كان الذي يصرفه إليهم من ذلك المال أكثر أمدوه بالدعاء، وللقلوب آثار، وللأرواح حرارة فصارت تلك الدعوات سبباً لبقاء ذلك المزكي في الخير والخصب. وما ضاع الفقراء وجاعوا وما قضت عليهم الأمراض إلا بمنع الأغنياء زكاة أموالهم عنهم، كما ورد عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: “ما جاع فقير إلا بما منع غني”. ولما كان الأغنياء يخرجون زكاة أموالهم في أزمان ماضية قلّ الفقر عندهم حتى كان بعض الأغنياء لا يجدون من يقبضها منهم، فقد أغناهم الله تعالى من فضله. وحينما كان الأغنياء يؤدون زكاة أموالهم عن اقتناع وإيمان كانوا يُحسُّون بأنهم يؤدون فريضة الأمن والاستقرار. إذ صار الناس بين غنيّ غير محتاج وفقير أخذ حقه من مال الغني ولم يبق له عذر في السرقة. إنّ الشريعة السمحة تؤكد أن الزكاة والصدقات لا تتم إلا إذا جُرّدت من مظاهر التعالي والرياء، وقد مدح رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي يخفي صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، وحتى جعله من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظلّه.