أنت مع من أحببت

أنت مع من أحببت

 

عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنَّ رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الساعة، فقال: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: “وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟” قَالَ: لَا شَيْء إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ: “أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ”. فهذا الحديث يُقرِّر هذه المسألة الكبرى وهي: أن المرء مع مَن أحب، وأنه يكون معه يوم القيامة حيث الحشر والنشر، وحيث الجزاء أيضًا، ذلك أنَّ المحبة عملٌ جليل من أعمال القلوب، وأعلى وأشرف درجاتها حبُّ الله تعالى، وهذه منزلة السابقين المخلَصين كما الله تعالى عنهم: ” وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ” البقرة: 165، وأهلها يجدون لها سعادة وطمأنينة لا تُوصف، كما يدل عليه الحديث الصحيح: ” ثلاث مَن كُنَّ فيه وَجَدَ بهن حلاوة الإيمانِ: أن يكُون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يَكْره أن يعُود إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يَكْره أن يُقذف في النار”. هكذا هو المؤمن؛ محبته سامية عالية شريفة جليلة، ولذلك فمَن أَحبَّ لله تعالى فإنَّ محبته مِن أعظم ما يقربه إلى الله، فالله جل شأنه شكور يعطي المتقرِّب إليه أعظم بأضعاف مضاعفة مما بَذَلَ. ومن شكره سبحانه لهذا العبد الذي أحبه وأحب رسله وأحب الخير وأحب أهل الخير أن يجعله في المنازل العالية وإنْ قصر عمله، كما قال سبحانه: ” وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا” النساء: 69، هؤلاء هم أعلى الخليقة منزلة؛ النبيُّون والصدِّيقون والشهداء والصالحون، فيُلحق بهم المرء ببركة ما قام في قلبه مِن حبه لهم تبعًا لحبه لله ولشرعه جل وعلا. وهذا الحديث المتقدم: “المرء مع مَن أحبَّ” هو مِن جوامع كَلِم النبي عليه الصلاة والسلام، فهذه العبارة مع أنها مقتصرة على ثلاث كلمات لكن تحتها معانٍ غزيرة ودلائلُ جليلة، ولذا قال العلماء: إنَّ مما تضمَّنه هذا الحديث التحذيرُ الشديد مِن محبة أهل الفسوق والعصيان، فإنَّ المحبة دليل على قوة اتصال بمن يحبه هذا المحب، ومناسبته لأخلاقه واقتدائه به، وهو نوع مِن سوء الأدب مع الله، لأن الله لا يحب أهل العصيان.

 

الكاتب أنور النبراوي