أبي.. هل عساك الآن تقول كيف تفرح ابنتي بغيابي..
لو كنت أستطيع الحديث معك الآن لأخبرتك بالحقيقة، نعم من شدّة ما أحاول تجنب تذكر التفاصيل، صرت أتهرب من كل ما من شأنه أن يحدث فرحة داخلي، فصرت أتجنب اللقاءات عكس ما كنت عليه وصرت أميل إلى الوحدة وتجنب الأشخاص، وفي ذات الوقت صرت لا أتقبل البقاء وحيدة لأن البقاء هكذا يجلب الذكريات المتراكمة التي تؤلمني بقسوة.
أبي.. هل أشكوك شيئا، حتى عند تخرجي، لم أبق يوما في المنزل باحثة عن عمل في ظل الجائحة، حيث توقف التوظيف تماما، كان الجو باردا جدا وشتوي كالليلة التي توفيت فيها، وكنت أبحث تحت المطر الغزير..
بعد التجربة الأولى، والتي كانت رحلة شاقة جدا حاولت البحث عن الأفضل، وإذا بي أجد نفسي محاطة بالأطفال، كنت خائفة جدا، خفت ألا أستطيع الاقتراب منهم طوال مشواري معهم، كنت أظل دائما بعيدة جدا عن الفوضى وعن سماع أصواتهم، أنجز ما يجب إنجازه وأغادر، حتى اضطر الأمر لتغيير مكان العمل حيث تحتم علي أن أكون جنبهم دائما، كنت بينهم لكن كأني في عالم وحدي، يبدو الأمر صعبا بعد كثرة الصدمات، فبعد صدمة فقدانك، واجهتنا الكثير من الصدمات الأخرى أهمها الخذلان، جعلتني أتجنب البشر تماما، لكن هؤلاء الأطفال أضافوا اليّ بعض الأمل، كنت أخرج بعدها وقلبي منشرح، فكأن الله عوضني بهم كمرهم لجراحي، العناقات التي احتجتها فترة وفاتك و المساندات أتتني بالرغم من أنها متأخرة إلا أنها كانت تفي بالغرض من طرف هؤلاء الأطفال، أحببت أني صرت شخصا تحبه هذه البراءة من دون سبب، أحببت أنه عندما أكون أحيانا غارقة في التعب لتأتيني طفلة صغيرة لتخبرني أني جميلة وأنا أعلم أنها صادقة لأنها طفلة بريئة، فقد مللنا الكذب والنفاق في عالمنا.. لن أنكر أن هذا ساعدني وأعاد إلي بعض الأمل لأنني تذكرت دائما طفولتي بوجودهم.
صارت تعود إلي ذكريات الطفولة وأقول هل يا تراني كنت أنا أيضا مرهما لوالداي حين عودتهما متعبين..
أنا يا أبي لن أنسى أبدا فضلك عليّ وسعيك لجعلي دائما الأفضل علما وخلقا، وإن قوتي الآن وشجاعتي لمواصلة هذه الحياة
والوقوف صامدة حين الحاجة كنت أنت وأمي دائما خلفها، وأن غيابك يشعرني بأنه هناك دائما شيء منكسر داخلي، فاللهم اربط بقلبي وقوّني أكثر للمواصلة في هذه الحياة.
ابنتك الوفية كوثر