تلك التجاعيد التي تلتحف ملامح المسنين ما هي إلا مشقة حياة وألم غياب ووجع انتظار..
قلوب قاسية كالحجر أو أشد قسوة، لقد أصبحنا في زمن تعلقت به القلوب بالشهوات والمعاصي وغابت الإنسانية والمودة والرحمة.
كعادتي يوميا وأنا متجه إلى عملي أمر على موقف الحافلات وسط ضجيج كبير، أحدهم ينتظر قدوم الحافلة وآخر ينزل مسرعا وصوت بائع الجرائد آت من بعيد، شد انتباهي منظرها البائس، وجهها الشاحب، ملابسها البالية، تجاعيد وجهها تحكي حكايات ألم حاكتها السنين..
عدت إلى منزلي وذلك المشهد لم يفارقني أنتظر الصباح بفارغ الصبر، لا أعرف لماذا أريد رؤيتها لكن حزنها حرك قلبي وأثار اهتمامي..
أتى الصباح، أسرعت لرؤية تلك العجوز المسنة كنت أظنها متسولة لكنها ليست كذلك، عيناها تفيض بالدموع وأي دموع دموع القهر تنزل كالجمر لا أخفي عليكم بكيت لهذا المنظر المؤلم..
كأنها جالسةٍ على عتبـــات الانتظــــار تنتظـر مرســـالاً، تنتظــر سؤالاً، تنتظــر اهتمامــــاً، تنتظـر غائبـــاً ، أو تنتظــر مفارقــاً وعــد بالرجــــوع..
مرت أيام على هذه الحالة أراها في الصباح والمساء، أردت التقرب منها لأنني أحسست أن الشارع ليس مكانها..
فكرت وقررت رغم كل شيء رغم الظروف التي أمر بها، قررت أن أتكفل بها سأجعلها أما لي ولزوجتي، سأكون لها الولد الصالح، سأحاول أن أعوضها كل شيء..
أخذت زوجتي لتكلمها والحمد لله وافقت ها هي أمي (خديجة)
بيننا معززة مكرمة، مضت شهور وما زالت العين تدمع والقلب مجروح آه آه يا أماه لو تفرغي ما في قلبك لربما ترتاحي..
أتت أمي خديجة وأتى الرزق معها رزقني الله بولد وبيت ومال، أخذت أمي خديجة لأداء مناسك الحج وكل ما أردت منها أن ترتاح وأن تدعو لي..
في يوم من الأيام، رأيت أمي خديجة مرتبكة ومحتارة، سألتها ما بك يا أماه وكان الحزن على الوجه والدمعة على العين تقول لي سأحكي لك حكايتي يا بني..
تزوجت في عشرينيات برجل نبيل فقير مال وغني بالإيمان كله تقوى كان قدوتي ونور حياتي..
مضت سنوات على زواجنا ولم نرزق بذرية حتى العلاج لم ينفع معنا، عشر سنوات مضت من الصبر والدعاء وحدثت المعجزة، رزقنا الله بولد..
أتت الفرحة ولكنها لم تكتمل ابننا ولد مريضاً ومع الصدمة التي لم نكن نتوقعها رحل الغالي سندي ونور حياتي، توفي زوجي وتركني وحدي أصارع مشقة الحياة..
كان مرض ابني ورم على مستوى الرأس هناك من قال إنه سيشفى وهناك بعض الأطباء قالوا ليس له دواء وكان أمل الشفاء قليلا، لكن كنت متمسكة بولدي وصابرة على قدري، خسرت كل شيء لشفاء ولدي الغالي لكن لا فائدة، أعمل، أشقى، أتعب لكي أؤمّن دواءه ،بقي لي الصبر وفقط..
أطال الله في عمر ابني وقد بلغ الثمانية عشر وكانت الصدفة أن ألتقي بطبيب جراح محترف رأى حالة ولدي وبشرني أن ولدي سيشفى وسيصبح سليما معافى، هذا الطبيب فتح لي باب الحياة كأنني كنت ميتة، كان حلمي قبل أن أموت أن أرى ابني بصحته متزوج، لربما أموت فمن يعتني به..
أكد لي الطبيب أن عمليته ناجحة مائة بالمائة وأنه سيصبح إنسانا عاديا بكامل صحته، لكن العملية في الخارج ومكلفة..
اختلط حزني بفرحتي من أين سآتي بالمبلغ، لم يبقى لي شيء..
احترت وصبرت إلى أن وجدت الحل، كان الحل مؤلما، لكنني أعيش لأجل ولدي وأريده أن يقف على رجليه وليعش حياته يتزوج وينجب أولادا، هذا حلمي..
بعت كليتي ليعيش ابني ولو تطلب الأمر الكلية الثانية لأعطيته
ها هو ابني معافى، الحمد لله، تحقق نصف حلمي، بقي نصف وهو أن أزوجه عملت رغم صحتي لكي أزوجه ونعم زوجته، الآن ارتحت..
كبرت في السن وذهبت صحتي، أصبحت عاجزة حتى عن النهوض،
ها هو ابني يتعافى ولله الحمد ..أصبحت الآن أحلم فقط برؤية أحفادي .. عملت لأجله رغم ضعف صحتي وقررت أن أزوجه، زوّجته، رزق ابني بولدين كانا فرحة حياتي ..كان المنزل ضيقا ولم يكن يسعنا وفكر ابني وزوجته في حل وكان الثمن طردي من البيت ليعيشا مع ولديهما براحة وسلام.
يتبع