أمة لا تموت

أمة لا تموت

إن الناظر إلى حالنا نحن أهل الإسلام، وما يرى من ضعف وتفرق واختلاف، وما يشاهد من تمزُّق وشتات، وتخبُّط وجهل، وتبعية عمياء للأعداء، من يهود ونصارى، وسائر أهل الضلال والأهواء، عندها تتملَّكه الحَيرة، ويسيطر عليه الحزن، وربما لبِسه الهمُّ والغم والحزن الشديد، وربما قال في نفسه: لن تقوم لهذه الأمة قائمة، ولكن: “وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ” التوبة: 32. لا ننكر أن أُمَّتَنا تكالبت عليها أمم الضلال، من يهود ونصارى وسائر أهل الضلال والأهواء، وها نحن نرى ونسمع ما يحصل للمسلمين في بقاع كثيرة من الأرض من ظُلْمٍ وسفك للدماء، وقتل وتشريد، وتهجير وحصار خانق على الدين وعلى الغذاء، وعلى الدواء، وأعداء الإسلام ماضون في مشاريعهم الإجرامية في حق الشعوب المسلمة، وأعداء الإسلام وأهله يعملون جاهدين على طمس الهُوِيَّة الإيمانية، وتشويه الحقائق القرآنية، وتكذيب للسنة النبوية، وإلصاق التُّهم بحمَلة الدين من العلماء والدعاة والفضلاء، كل ذلك من أجل صدِّ الناس عن الحق وأهله، وتشويش الأجيال الحاضرة والقادمة، كي يخلو لهم الجو في احتلال بلاد الإسلام، ومحاربة الحق ودفعه، ونشر الباطل وتثبيته.

هذه الأمة لن تموت، وسيبقى لها دينها ما بقِيَ الليل والنهار، ولا تزال طائفة منها على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. إن الْمُتَتَبِّع للتاريخ والمتأمِّل لِما حصل للمسلمين عبر العصور، من هجمات التتار، وإهلاكهم للحرث والنسل، والقضاء على الخلافة العباسية، وقتل آخر خليفة من بني العباس، وتدمير عاصمة الخلافة العباسية بغداد، وقتل مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، ظن كثير من الناس أن هذه الأمة ماتت وقُضي عليها، وأصبحت في خبر كان، لكن الله تعالى حافظ دينه، وحافظ عباده الصالحين الصادقين، فباء التتار بالخسار والبوار، ودخل كثير منهم في هذا الدين، ولم تَمُت هذه الأمة، وهكذا توالت الضربات والطعنات على جسد هذه الأمة المباركة، التي وُعِدَت بالنصر والتأييد، واستمر أعداء الإسلام في مخططات الهلاك لهذه الأمة، وكلها باءت بالفشل؛ لأن الله تعالى جعل هذه الأمة خير أمة أُخرجت للناس، وجعل هذه الأمة شاهدة على سائر الأمم، وتحقَّق وعد الله تعالى بأن هذه الأمة باقية إلى يوم القيامة. ثم توالت المحن على هذه الأمة، وجاءت الحملات الصليبية النصرانية الحاقدة على الدين وأهله، سبع حملات صليبية على الأمة الإسلامية، وعمل الصليبيون في الأمة المسلمة ما تشيب له رؤوس الوِلْدان، وتتصدع له قلوب أهل الإيمان، من قتلٍ، وأَسْرٍ، ونهب، وانتهاك للحرمات، فهل ماتت هذه الأمة؟ لا، إنها أُمَّةٌ لن تموت، وما اختارها الله وجعلها آخر الأمم إلا لتبقى، حاملةً رسالةَ الحق والعدل. وها هو العالم الإسلامي في القرن الماضي شهِد زحفًا بشعًا وشنيعًا، وشهِد استعمارًا بغيضًا، همجيًّا بربريًّا على هذه الأمة المسلمة؛ الاستعمار الإسباني، والهولندي، والبريطاني، والفَرنسي، والإيطالي، واحتلوا معظم بلاد الإسلام، وأكثروا في الأرض الفساد، وجثموا على كثير من بلاد الإسلام عشرات السنين، ثم ماذا؟ خرجوا يجرون أذيال الخيبة والخسران، فهل ماتت هذه الأمة؟ لا، هذه الأمة لن تموت.

من موقع شبكة الالوكة الإسلامي