أنوار من جامع الجزائر

أفكار لحفظ الوقت – الجزء الثاني والأخير –

أفكار لحفظ الوقت – الجزء الثاني والأخير –

إنَّ شيُوعَ الفَراغِ وإهْدَارَ الأوْقَاتِ لا يَقِلُّ خَطرًا عَنْ إزْهَاقِ النَّفْسْ وإهْدَارِ طَاقاتِها؛ إذْ هُو انْتحَارٌ معْنَويٌّ، وغَيبُوبَةٌ عنْ الوَعْيِ والإدْراَكِ، تَسْتنْزِفُ طاقاتِ البَدَنِ وتَسْلُبُهُ إِحسَاسَهُ بذَاتِه وأَهَمِّيَّتِهِ، فالنَّفسُ البَشَريَّةُ مَفْطُورةٌ علَى حُبِّ الدَّعَةِ والإِخْلادِ لِمَطالِبِ الجسَدِ الأرْضِيَّةِ،  فإنْ لَمْ تشْغَلْها بالحقِّ شَغَلتْكَ بالبَاطِلِ. فالفراغُ ليْسَ مجرَّدَ لحَظاتٍ خَاليةٍ من الإنجَازِ وحَسْبُ، بلْ هُو بِيئَةٌ مِثالِيَّةٌ تنَمْو فيها بذُورُ الكَسَلِ و الوسَاوِسِ والخَواطِرِ الشيطَانيَّةِ، وقدْ توَافَرتْ وتَطوَّرَتْ في عَصْرِنَا أسْبَابُها التِّقَنيَّةُ وسُهِّلت وسَائلُها -للأَسفِ الشدِيدِ-، يدْخُلَ جَرّاءَها الشبَابُ في دَوَّامةِ الشكُوكِ والأوْهَامِ والتفكيرِ السِّلبْيِّ . وهو مَجْلَبَةٌ لِلملَلِ والسَّأَمِ، يَدفَعُ بصَاحِبِهِ ؛لأجْلِ تلاَفيهِا؛ إلى اللَّهثِ خَلْفَ الشَّهَوَاتِ والمتْعَةِ العاجِلَةِ ولوْ كانتْ محرَّمَةً ومُهْلِكَةً للأبَدَانِ والعُقُولِ ومُدمِّرَةً للمجْتَمعاتِ، وهذِهِ الأخْطَارُ وتلْكَ الأَضْرَارُ كفِيلَةٌ بتدْمِيرِ الأفرادِ المُجَتمَعَاتِ التي يشِيعُ فيها الفَراغُ ومسوِّغَاتُه، عافَانَا اللهُ وإياَّكم مِن شرِّه وضرَرِه قال تعالى:” فَخَلَفَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ خَلۡفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا “. إنَّ الأَمْرَ باغْتِنامِ الأوْقاتِ والتَّحذيرَ منْ تضْيِيعِها يَخُصُّ الناسَ جَمِيعًا غَيْرَ أنَّهُ بالشَّبَابِ أخَصُّ ؛ إذْ إنّهم زَهْرَةُ الأمّة وَوَقُودُها ، والأَخْطارُ التِي تَتَهدَّدُ الأُمَّةَ إنَّمَا تَسْتَهدِفُهُمْ فِي المَقَامِ الأوّلِ، فَيأيُّها الشَّبَابُ المُؤْمِن ، إِليكْمُ أُسْدِي هذِه الوَصَاياَ المُنْتَقاةِ منْ نبْعِ الإسلامِ الصّافي، لنهْتَدِيَ بها جَميعًا إالى صِراطِ العزيِزِ الحميِد:

  1. اِغْتَنمُوا الصِّحَّة والفراغ: إنَّها وصيّةُ نبيِّنا ﷺ كما ورَدَ في الحديثِ ،فمرحَلةُ الشبابِ هي مرحلةُ اكتمالِ القدْرةِ وهي قمَّةُ مرحلةِ العطاءِ ، فيهَا من الطاقةِ والحيويَّةِ ما لا يتوفرُ فيما قبلَها ولا فيما بعدَها، قال تعالى “ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعۡفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ ضَعۡفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعۡدِ قُوَّةٍ ضَعۡفاً وَشَيۡبَةً يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡقَدِيرُ “.
  2. تعلَّمُوا العلِمَ النَّافِعَ ، الذِي يُصْلِحُ دِينكُم ودُنياَكمُ ،وتَنْتَفِعُ بهِ أُمَّتكُم وأَوْطَانكم، و تعلَّمُوا المُطالَعَةَ وتَصَفُّحَ الكُتُبِ والمَجلَّاتِ بدَلاً عنْ تصَفُّحِ المواقعِ والتطبِيقَاتِ، التي غالبًا ما تَسْتهلِكُ المالَ وتُشتِّتُ الأَذهانَ وتَشْغَلُها بالتَّفَاهَةِ والسّفهِ ولَغْوِ الحديثِ ونَشْرِ الزُّورِ وشُهُودِه ،وترويجِ الإشاعاتِ، والتَّشْكِيكِ في الثوابتِ، فاَلعلِمُ مفتاحُ التَّمكينِ فيِ الأرضِ وهُو سبيلُ الإيِمانِ والعملِ ورَافدٌ منْ روافِدِ الحضَارةِ والخيرِ، وهُو أسَاسُ القيَادةِ والاِصْطِفاءِ قال تعالى”قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”.
  3. إنَّ منْ أسْبابِ شيُوعِ الفَراغِ عنْدَ الناسِ عُموماً وعنْدَ الشبَابِ خُصُوصاً هُو عَدَمُ وجُودِ هدفٍ واضٍح في الذِّهْنِ، و الحَياةُ بلَا هَدفٍ كَسَفينةٍ ضائعةٍ في بحرٍ خضمٍّ تتقَاذَفُها أمْواجُ الفَراغِ العاتيةِ. فمِنَ الواجبِ علىَ العَاقلِ أنْ يُحَدِّدَ لنفْسِه أهْدافاً واضِحَةَ المَعَاِلم،َ طويلةَ الأمَدِ ومُتوَسِّطَةً وقَصيرةً، ثمَّ يَرسُمُ لكُلِّ هَدفٍ خُطّةً عَمليَّةً قابِلةً للتنفيذِ،، سَواءٌ كانتْ أَهدَافاً تعليميّةً، مهنيّةً، شخصيّةً، أو روحيّةً. فتحْديدُ الأَهدافِ لهو أوَّلُ سُبلِ القضاءِ على الفَراغِ وتَنْظيمِ الوقتِ، والاِسْتعْدادُ للغَدِ مَطْلبٌ قرآنيّ قال تعالى” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”.
  4. صُحْبَةُ الأخْيارِ مَنْجَاةٌ منْ مَصائِدِ الشّيطانِ ، ومَجالسِ النَّجْوَى على الِمَنصَّات ونحْوِها، فاحرِصُوا -حَفظكُم الله- على اخْتيارِ الرُّفقةِ الصَّالحةِ التي تُعينكم على الخيرِ، وتُذكرِّكُم باللهِ، وتُحفِّزكمُ على الإيجابيةِ والعملِ.

 

الجزء الثاني والأخير من خطبة الجمعة من جامع الجزائر