أكدت دراسة لمركز البحث في الأنثروبولوجيا الإجتماعية والثقافية لوهران، شملت عينة من 5.077 شابا من وهران وغرداية، أن أغلب الشباب دون 35 سنة يستقون معارفهم الدينية من الأنترنت والفضائيات، فيما لا
يزال أئمة المساجد المرجع الديني الأول لدى الأكثر سنا.
وأكد مدير مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية جيلالي المستاري على هامش محاضرة نظمت على مستوى المركز، أن ما سماه بـ “الأئمة النجوم” الحاضرين في المنابر والشاشات يشكلون المرجعية الدينية لدى الشباب، فيما يحافظ إمام المسجد الجواري على مكانه كمعلم ومفتي للفئات الأكبر سنا.
وأشار المتحدث إلى أن “أغلب الشباب الذين يبحثون عن فتوى في ممارستهم الدينية يتجهون إلى المرجعيات الأجنبية أكثر من المرجعيات الوطنية”، مضيفا أن بعض المرجعيات الوطنية التي تسجل حضورا لدى هذه الفئة هي المرجعيات التي تشغل الفضائيات ومنصات الأنترنت أكثر من تلك التي تشغل منابر المساجد.
وأضاف السيد المستاري أن التدين يطرح اليوم صعوبات بالنسبة للباحثين من حيث الحد المجالي للبحث، حيث أن ظاهرة العولمة جعلت مجال البحث فضاء مفتوحا يستحيل الحديث فيه عن التدين في منطقة أو بلد بعينه، وأبرز نفس المسؤول أن الأولوية حاليا هي تشخيص الوضعية دون أحكام دينية أو إعلامية، حيث يتوجب على الباحث أن يفهم الظواهر.
تجديد الخطاب الديني لتحقيق الأمن الفكري
من جهة أخرى، أبرز السيد يوسف بلمهدي، عضو المجلس الإسلامي الأعلى في حديث ذي صلة، بأن بلوغ هذا الهدف يستوجب على وجه الخصوص “تطوير وسائل الخطاب الديني” من خلال “تغيير أسلوب إيصال الرسالة الدينية بالاعتماد على الإيجاز والتعمق في الأفكار”.
وأضاف بأنه يتعين أيضا مراعاة ربط أسلوب البلاغ الإعلامي والعلمي مع الخطاب الديني والإسلامي مع أخذ بعين الاعتبار -كما قال- خصائص الفئة التي توجه إليها هذه الرسائل الدينية بالموازاة مع استعمال الوسائط التكنولوجية الجديدة ومواكبة تطوراتها.
واستنادا لذات المصدر الذي يشغل أيضا منصب الأمين العام لرابطة علماء دول الساحل، فإن استخدام التقنيات الحديثة سيشكل “حصنا منيعا” ضد من وصفهم بـ “أعداء الأمة” الراغبين في تحريف المعرفة الدينية والدفع بالشباب نحو التطرف والإرهاب باللجوء لذات الوسائط التكنولوجية.
“مراجعة متواصلة وإصلاح جذري”
أكد وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، أن دائرته بصدد “مراجعة متواصلة وإصلاح جذري” للخطاب الديني، خاصة وأن التجربة الجزائرية في محاربة الارهاب والتطرف الفكري والديني “أصبحت اليوم نموذجا تقتدي به كثير من الدول”، فالإصلاح المرتقب “يعتمد أساسا على اجتثاث التوظيف الإيديولوجي في الخطاب الديني وينبع من الثقافة الوطنية الأصيلة.”
وقال الوزير على هامش اشرافه بدار الإمام (الجزائر العاصمة) على انطلاق المسابقة الوطنية الشفوية الخاصة بالدخول لمعاهد تكوين الإطارات الدينية، أن التجربة الجزائرية في محاربة الارهاب والتطرف الفكري والديني “أصبحت اليوم نموذجا تقتدي به كثير من الدول”، مشيرا إلى أن الاصلاح المرتقب “يعتمد أساسا على اجتثاث التوظيف الإيديولوجي في الخطاب الديني وينبع من الثقافة الوطنية الأصيلة”.
..للجزائر علماؤها الأكفاء
حذر مكتب الإفتاء بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف المجتمع الجزائري من الفتاوى الصادرة عن علماء وأئمة غير الجزائريين والتي بإمكانها “ضرب” المصلحة العليا للبلاد ولفكرها الديني.
وأوضح مكتب الإفتاء على لسان شيخه جلول قسول إمام مسجد “القدس” بحيدرة في حديث مع “واج” أن هناك جزائريين يتصلون خاصة في شهر رمضان الكريم بعلماء الدين التابعين لبلدان إسلامية أخرى على غرار المملكة العربية السعودية
ومصر من أجل استفسارات وفتاوى دون معرفة أن “الفتوى تختلف من مكان و زمان ومن شخص لآخر”. وقال في هذا الصدد “إننا نحذر من طلب الإفتاء من عند علماء وأئمة غير جزائريين لأن فيها تجارة و مرور رسائل تستطيع ضرب المصلحة العليا للوطن ولمرجعيتنا ولوحدتنا وفكرنا الديني”، مشيرا إلى أن هذا التنبيه “لا يعني القول لهم عدم الاتصال بهم ولكن من الضرورة معرفة فكرهم”. وأوصى الشيخ قسول الراغبين رغم ذلك سؤال عالم أجنبي لا سيما عبر القنوات الفضائية معرفة أولا انتماء هذا الأخير وبماذا هو متأثر، مؤكدا على أن الفتوى التي تصدر من إمام يقيم في بلد ما لا تكون بالضرورة نفسها الصادرة في الجزائر. وأكد إمام مسجد القدس أن “الحكم هو نفسه في جميع الدول المسلمة لأن الحكم هو الإسلام، أما الفتوى فهي تختلف زمانا ومكانا وتتطور تبعا لتطور المجتمع”، مستدلا في ذلك بمثال بقوله إن فتوى صدرت على سبيل المثال في 1962 لا تكون بالضرورة نفسها في وقتنا الحالي لأن مواطن تلك الفترة -كما قال- يختلف عن مواطن اليوم. وطمأن الذين يتصلون بالأجانب للاستفسار عن فتاوى بأن “للجزائر علماء ينافسون كل الدول من ناحية الفقه ومعترف بهم في المجمع الفقهي العالمي من طرف المصريين والسعوديين”، متأسفا في آن واحد على وجود خلط بين الحكم الشرعي وحكم الفتوى التي هي استشارة دينية. وعبر نفس المسؤول عن رضاه لتصنيف الجزائر ضمن المراتب الأولى في قراءة القرآن لسانا واتقانا وحفظا وعددا، مشيرا إلى أن البلاد بها 14.000 مسجد يحتوي كل واحد منها على ما بين 5 إلى 10 قراء. ومن جهة أخرى، أضاف الشيخ قسول أن مكتب الإفتاء الذي يتلقى المئات من الاتصالات والرسائل يوميا يجيب عن بعضها والأخرى يوجه فيها السائل إلى إمام منطقته الذي يعرف فكره والظروف المحيطة به والتي يعيش فيها. و قال في ذات السياق إن لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف “هرم” يجب إتباعه في مجال الفتاوى يبدأ بإمام المسجد ثم خلية البلدية فالمجلس العلمي للولاية وفي الأخير مكتب الإفتاء على مستوى الوزارة في حالة ما إذا عجزت كل هذه الأطراف عن إصدار فتوى ما.