منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، صدرت مئات الأغاني والأناشيد التي تتغنى أو تبكي على تلك الأرض التي احتلّها الكيان الصهيوني، لكن أغاني فيروز عن فلسطين هي الأشهر، والأهم أنها الحاضرة دائماً في كل الأوقات.
من “راجعون”، و”القدس العتيقة”، و”أجراس العودة”، مروراً بـ “بيسان”، و”سنرجع يوماً”، و”سيفٌ فليُشهر”، وصولاً إلى “زهرة المدائن”، و”يا ربوع بلادي”، و”جسر العودة”؛ فإن أغاني فيروز عن فلسطين محفورة في وجداننا العربي، وذاكرتنا الجماعية، من المحيط إلى الخليج.
ولا يكتفي الأخوان الرحباني بوصف مآسي النكبة وما رافقها من نكبات متلاحقة، بل نجدهما في بعض الأحيان يتنبآن بما يمكن أن يجري على أرض فلسطين. ولعلّ أغنية “راجعون” هي إحدى تلك الأغنيات التي اختصر فيها صوت فيروز ما يجري اليوم في غزة.
ففي العام 1955، سافرت فيروز إلى مصر مع زوجها عاصي الرحباني وشقيقه منصور، اللذين عرضا على أحمد سعيد -مدير إذاعة صوت العرب- أن يقدموا عملاً فنياً للقضية الفلسطينية.
وهذا ما حدث؛ فقد تم تسجيل أغنية “راجعون”، وهي من كلمات الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد -ابن مدينة غزة، الملقب بشاعر العودة والمخيّم- ولحّنها الأخوان رحباني، وأصبحت نشيد افتتاح إذاعة فلسطين عند تأسيسها في القاهرة.
الأغنية، وهي من أجمل أغاني فيروز عن فلسطين، صدرت في العام 1957 ضمن ألبوم غنائي كامل يحمل اسم “راجعون”، تضمّن 9 أغنيات، من بينها أغنية “جسر العودة” أو جسر الأحزان كما وصفه الأخوان الرحباني.
ألبوم القدس في البال
هو عبارة عن ألبومٍ غنائي كامل، احتوى على مجموعة من أغاني فيروز عن فلسطين. صدر هذا الألبوم، الذي حمل عنوان “القدس في البال”، عام 1971، وتضمن 7 أغنيات أهدتها فيروز مع الأخوين الرحباني إلى فلسطين.
ويتضمن ألبوم “القدس في البال” أغنية “القدس العتيقة”، ولهذه الأغنية قصة خاصة عن علاقة فيروز وفلسطين، التي بدأت تتشكل فعلياً في ستينيات القرن الماضي، حين قررت جارة القمر زيارة فلسطين مع عاصي ومنصور.
ولم يمر أكثر من عام قبل أن يصدح صوت فيروز بأغنية “القدس العتيقة”، وهي إحدى أجمل أغاني فيروز عن فلسطين، والتي قيل إن مطلعها مستوحى من قصة حقيقية حصلت في شوارع القدس بين فيروز وإحدى السيدات الفلسطينيات.
حين كانت فيروز تتمشى في الأزقة، تجمع حولها الناس، مرحبين بها وشاكين همّهم لها بعد النكبة ومعاناتهم من الاحتلال، حين تقدّمت سيدة فلسطينية وقدّمت لفيروز “مزهرية” تعبيراً عن حبّها.
فما كان من الأخوين الرحباني إلا أن حوّلا هذه القصة إلى أغنية “القدس العتيقة”، وتمّ تسجيلها عام 1965 في استديو تلفزيون لبنان، وتقول كلماتها:
ومهما قدمت هي أو غيرها من فناني العالم أغاني عن فلسطين، ستبقى “زهرة المدائن” الأغنية الرمز التي يرددها الأطفال والكبار، جيلاً بعد جيل. الأغنية كانت ضمن ألبوم “القدس في البال” أيضاً.
قبل أكثر من 50 عاماً، أنشدت فيروز “لن يُقفل بابُ مدينتنا فأنا ذاهبة لأُصلّي/ سأدقُّ على الأبواب وسأفتحها الأبواب”.
هذه العبارة التي حضرت في أذهان المقدسيين الذين انتفضوا عام 2017 ضد الاحتلال الإسرائيلي، حين رفضوا البوابات الإلكترونية، ووقفوا على أبواب المسجد الأقصى بعد أن قررت حكومة الاحتلال فرض مزيد من السيطرة الأمنيّة على مداخله.
ثم تردد فيروز في مكانٍ آخر: “وسيُهزم وجه القوة، البيت لنا والقدس لنا، وبأيدينا سنعيد بهاء القدس، بأيدينا للقدس سلام آتٍ آتٍ آتٍ”.
ق\ث