"زهرة المدائن" لفيروز الأبرز

أغاني فلسطين… اليوم موعدنا

أغاني فلسطين… اليوم موعدنا

مع نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، أصدر عبد الوهاب أغنيته الشهيرة “أخي جاوز الظالمون المدى”، لتصبح أول عمل غنائي يؤديه فنان له مكانة كبيرة مناصرة للقضية الفلسطينية.

والغناء لفلسطين وقضيتها طويل وعريض، لا يمكن أن يحيط به بحث أو مقال، إذ هو ممتد في الزمان منذ قيام دولة الاحتلال وإلى اليوم. ولا ريب أن بعض هذه الأغاني مثلت محطات مهمة، لا يمكن تجاوزها عند أي رصد فني.

وربما كانت قصيدة “زهرة المدائن” التي شدت بها فيروز عام 1967، من أهم أغنيات القضية الفلسطينية، وهي بلا شك أهم عمل غنائي يخص مدينة القدس المحتلة، وهي إحدى ذرى الأخوين رحباني، ومثال واضح لنزوعهم التجديدي الجريء ومن الأغاني التي طبعت الذاكرة والروح العربية، وربطتها أكثر بالقدس وتاريخها ومقدساتها.

وتذكر عدة صحف فلسطينية أن فكرة الأغنية تبلورت عام 1964، عندما زارت فيروز القدس بالتزامن مع زيارة بابا الفاتيكان بولس السادس. وقد أدت فيروز الترانيم أمام البابا، في كنيسة القيامة، وفي كنيسة المهد في بيت لحم..

وغنت فيروز كثيرا لفلسطين: “سنرجع يوما”، و”سيف فليشهر”، و”مريت بالشوارع”، و”بيسان”، و”يافا”، و”جسر العودة”، و”راجعون”، و”القدس في البال”، وغيرها. ولم يغن مطرب ولا مطربة لفلسطين قدر ما غنت فيروز، لكن بقيت أغنية “زهرة المدائن” في مكانة أيقونية لا تعرف المنازعة.

وفي عام 1969، شدت أم كلثوم بواحدة من أخلد ما عرفه تاريخ الغناء لفلسطين. قدمت قصيدة نزار قباني “طريق واحد” إلى محمد عبد الوهاب ليصوغها موسيقيا، وليستمع العرب من إذاعة القاهرة إلى صوت أم كلثوم العريض: “أصبح عندي الآن بندقية.. إلى فلسطين خذوني معكم.. إلى ربى حزينة كوجه المجدلية.. إلى القباب الخضر والحجارة النبية”. ويصف فيكتور سحاب هذه الأغنية بأنها “أعظم الأغنيات التي ظهرت في العالم العربي للمقاومة الفلسطينية والعمل الفدائي”.

وكان للشيخ إمام عيسى اهتمام كبير جدا بالقضية الفلسطينية، فقدم لها عددا من الأغنيات، التي حقق بعضها انتشارا واسعا داخل الأرض المحتلة وفي مخيمات اللاجئين. واتسمت أعمال إمام لفلسطين بثورية قاطعة، مع سهولة اللحن ليسهل حفظه وترديده. ومن أشهر هذه الأغنيات “يا فلسطينية”، التي صاغها أحمد فؤاد نجم، و”أناديكم”، للشاعر الفلسطيني توفيق زياد.

وتفرض القضية الفلسطينية نفسها على المشهد الغنائي، ولا نكاد نجد مطرباً معاصراً شهيراً لم يقدم عملاً أو أكثر لنصرة الشعب الفلسطيني أو التذكير باحتلال مدينة القدس. وغنى محمد منير “القدس”، وعمرو دياب “القدس دي أرضنا” وعلي الحجار “فلسطيني”، وهاني شاكر “على باب القدس”، وإيمان البحر درويش “أذن يا بلال فوق الأقصى”. يدرك كل فنان عربي مدى التقدير الجماهيري لمساندة القضية الفلسطينية، وأن الغناء لفلسطين أو القدس يمثل واجبا عربيا لا يمكن تجاوزه.

وفتح عبد الوهاب باب الغناء لفلسطين وثوارها أواخر الأربعينيات، كأنه خط صفحة أولى في كتاب ضخم، توالت صفحاته ثم أجزاؤه جيلا بعد جيل، ولم يغلق حتى هذه اللحظة التي لم يعش الشعب الفلسطيني ولا الاحتلال الإسرائيلي مثيلا لها منذ قيام الكيان الغاصب. وكأن كل مطرب أو مطربة، يسجل اسمه في سجلات الشرف الفني حين يقدم عملا يتغنى فيه بفلسطين ويتعاطف مع شعبها.

ق\ث