قضية فلسطين قضية مصيرية ارتبطت بها كل القضايا. فلسطين هي الأرض المقدسة، أرض الأنبياء الذين نحن -المسلمين- أحق بهم من كل من يدعي إتباعهم، فنحن أحق بموسى من اليهود المغضوب عليهم، وأحق بعيسى من النصارى الضالين.فيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، وهو مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما قال الله سبحانه مبينًا الارتباط بين المسجدين: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”. فلسطين هي ميراث الأجداد ومسؤولية الأحفاد، معراج محمدي وعهد عمري، فتحها المسلمون بعد وفاة الرسول بست سنوات فقط، وحكموها قرونًا طويلة، ثم احتلها الصليبيون فأخرجهم المجاهدون بقيادة صلاح الدين، ثم احتلها اليهود في عصرنا ولن يخرجوا إلا بالجهاد في سبيل الله.
فلسطين التي يُدمى جرحها كل يوم، فماذا فعلنا لها؟! ماذا قدمنا من التضحيات؟! هل أدينا أقل الواجبات؟! أو نقول بكل أسف: ماذا حققنا من التنازلات؟! لقد أتى على مسلمي فلسطين قرابة قرن من الزمن مرابطين في الثغور، مدافعين بأموالهم وأنفسهم عن البلاد المقدسة التي كُتب تاريخها بدماء الصحابة وأتباعِهم المجاهدين، تتابعت حكومات الإسلام في أرضها، وتعالت رايات الإيمان في ساحاتها، حاول الصليبيون كسرها فجاسوا خلال الديار، لكن المسلمين وقفوا لهم بالمرصاد، كان العلماء يحثونهم على الجهاد، وكان الأغنياء يبذلون أموالهم في الإعداد، وكان الحكام يقودون المجاهدين لنصرة دين رب العباد، أمثال عماد الدين زنكي ونور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي والمظفر قطز والظاهر بيبرس والمنصور سيف الدين قلاوون، وغيرهم من الأمراء الذين غرسوا في الأمة روح الجهاد فوقفوا درعاً أمام الحملات الصليبية حتى أخرجوهم من الأرض المقدسة. قال الله تعالى: “وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ”.
تتعاقب السنون ويتآمر الصليبيون واليهود مرة أخرى جميعًا لوضع فلسطين في قبضة اليهود في جريمة من أعظم جرائم العصر، بإخراج شعب من أرضه وإقامة شعب آخر مكانه!! ويستمر الصهاينة في القتل والإيذاء والاستيطان بتشجيع ورضا أو سكوت وإغضاء من دول ظالمة، كم أسالوا من الدماء، وأزهقوا من الأرواح، يدنسون المقدسات ويعقدون المؤتمرات لمخادعة العرب بسراب السلام، وقد أخبرنا الله أنهم يكذبون ويخادعون وينقضون العهود: “أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ”. إننا بحاجة إلى مراجعة للوضع وإصلاح للحال: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ”. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟! قال: “بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن”، فقال قائل: يا رسول الله: وما الوهن؟! قال: “حب الدنيا، وكراهية الموت”. رواه أبو داود وصححه الألباني.