* رسائل تحكي مأساة العدوان وخذلان العالم
تحيي دول العالم، اليوم العالمي لحقوق الطفل، وهو اليوم الذي أوصت به الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1954، من أجل تعزيز رفاه الأطفال في العالم، ويمثل تاريخ 20 نوفمبر من عام 1959 اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة إعلان حقوق الطفل واتفاقية حقوق الطفل في عام 1989.
الحديث هذه السنة عن حقوق الطفل يبدو غير منطقي وغير واقعي بسبب ما يحدث في قطاع غزة الواقع تحت وطأة العدوان الذي دخل شهره الثاني، وما خلفه من ضحايا أغلبهم من الأطفال.
طفل شهيد كل عشر دقائق

منذ بدء العدوان وأرقام الضحايا والخسائر صادمة، فهناك أكثر من 11 ألف شهيد سقطوا جراء هذا القصف الذي يستمر ليلا ونهارا، ولا يستثني منازل أو مدارس أو حتى مستشفيات، إذ تشير الإحصاءات إلى أنه دمر نصف مباني مدينة غزة.
أما أحد الأرقام الصادمة -دون شك- فهو أن نسبة الأطفال تكاد تقارب نصف الشهداء، فهناك أكثر من 4500 طفل استشهدوا دون ذنب بسبب القصف الإسرائيلي.
من جانبه، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس لمجلس الأمن الدولي -الجمعة- إن طفلا يُقتل في المتوسط كل 10 دقائق في قطاع غزة، محذرا من أنه لا يوجد مكان آمن ولا يوجد أحد آمن في غزة.
أما منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، فقد حذرت من أن حياة مليون طفل في غزة باتت معلقة بخيط رفيع مع انهيار الخدمات الصحية للأطفال تقريبا في أنحاء القطاع كافة.
ولا تتوقف كارثة أطفال غزة على من استشهد منهم، فهناك آلاف آخرون بقوا على قيد الحياة، لكنهم أصبحوا جرحى لا يجدون العلاج وبعضهم اضطر للخضوع لعمليات جراحة من دون مخدر.
الخدج في غزة خارج حضاناتهم

أظهر مقطع فيديو أوضاعا مأساوية للأطفال الخدج في مستشفى الشفاء بقطاع غزة، حيث توقف العمل بقسم الحضانة فيها بسبب عدم توفر الكهرباء ونفاد الأكسجين، مما دفع لنقلهم إلى أحد الأقسام الأخرى في محاولة للحفاظ على حياتهم.
وتسببت تلك الأوضاع في وفاة عدد من هؤلاء الأطفال الخدج، في حين أطلق الأطباء مناشدات وتحذيرات من أن يؤدي استمرار الحال إلى فقد باقي الأطفال رغم المحاولات الحثيثة لإبقائهم على قيد الحياة.
ويصوّر المقطع إخراج العاملين في المستشفى وعدد من الأهالي الأطفال الخدج من حضاناتهم يدويا ونقلهم إلى قسم آخر بعد توقف قسم الحضانة تماما عن العمل، وذلك في محاولة لتوفير ما يمكن توفيره من أجواء تساعد في الحفاظ على حياتهم.
من جانبه، قال أحد القائمين على رعاية الأطفال الخدج إنه تم جمعهم على سرير واحد، وتدفئتهم ببعض البطانيات والشراشف رغم حاجة كل طفل منهم للبقاء في حضانة خاصة مجهزة لرعاية أوضاعهم الحساسة، مشيرا إلى أنه رغم تجهيزات تلك الحضانات، فإن هؤلاء الأطفال يظلون عرضة للموت لضعفهم ولأوزانهم الخفيفة.
وأظهرت المشاهد الخاصة وجود عدد من الأطفال المصابين بين الخدج، في حين أفاد أحد الأطباء بأن 4 منهم استشهدت أمهاتهم بقصف أو خلال عمليات الولادة القيصرية المتعثرة التي تمت في ظروف صعبة وغير مواتية.
وكانت وزارة الصحة الفلسطينية بالقطاع أعلنت في وقت سابق وفاة 3 من الأطفال الخدج بسبب انقطاع الأكسجين والكهرباء بعد قصف إسرائيلي استهدف المولد الوحيد الذي كان يعمل في المستشفى، محذرة من وجود خطر حقيقي على حياة 36 من الخدج الآخرين الموجودين دون تلقيهم الرعاية الصحية المتكاملة.
يُذكر أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) حذرت من أن حياة مليون طفل فلسطيني في قطاع غزة على شفير الهاوية، في ظل انهيار شبه كامل للخدمات الطبية وخدمات الرعاية الصحية.
من جهتها، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن مستشفيات الأطفال في غزة لم تسلم من القصف الإسرائيلي، بما فيها مستشفى النصر الذي تعرض لأضرار جسيمة، ومستشفى الرنتيسي الذي اضطر لوقف عملياته.
صفحات التاريخ مليئة بقصص جرائم الاحتلال بحق الأطفال

تحمل صفحات التاريخ قصصًا موثقة عن جرائم الاحتلال بحق أطفال فلسطين، فمنذ عام 1948 مارس الإسرائيليون قمعًا متوحشًا تجاه أصحاب الأرض عامة والأطفال بشكل خاص باستهدافهم إما بالقتل وإما بالإصابات وإما بالتهجير والحصار، وواصل حصد الأرواح في الداخل والخارج في بيروت عام 1982، حين قتل الإسرائيليون الأطفال والفدائيين الفلسطينيين أو في الانتفاضة الأولى عام 1987، حيث قدر أعداد الأطفال المعتقلين في 1988 بـ 1200 طفل (8 إلى 16 عامًا)، وكذلك في انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000. ليكتمل المشهد الإجرامي خلال العدوان الأخير، فالاحتلال الغاشم لا يجد حرجًا في استهداف الأطفال العزل في مناطق حساسة كالرأس والقلب والظهر وهي مناطق تؤدي في كثير من الأحيان إلى إعاقات مستديمة تتسبب في ندوب لا تمحى من ذاكرتهم، وتشكل عبئًا على أهاليهم وعلى المؤسسات الصحية والخيرية، حيث أشارت إحصاءات للمركز الفلسطيني للإحصاء إلى أن أكثر من 45 ألف طفل فلسطيني يندرجون تحت مسمى الجرحى والمعاقين منذ عام 2000.
وهكذا تم تصنيف الأطفال الفلسطينيين على أنهم أكثر معاناة من أقرانهم على مستوى العالم، جراء ممارسات الاحتلال الذي اقترف العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني، راح ضحيتها الآلاف من الأطفال والشبان، من بينهم سوزي إشكينيا البالغة 7 سنوات من عمرها فقدت عائلتها خلال استهداف عمارة أبو عوف في شارع الوحدة وسط مدينة غزة، ظهرت في تسجيل عبر إحدى القنوات الفضائية وهي تتحدث عن اللحظات الأخيرة لها مع عائلتها قائلة: “كنت جالسة مع أمي وأبي وأخواتي في غرفة واحدة لكي نكون بجانب بعضنا، وقلت لوالدتي لا تذهبي إلى الجنة بدوني، كان والدي يحاول أن ينسينا صوت الصواريخ بالحديث معنا، لكن صوتها كان عاليا جدا”.
وتضيف إشكينيا “احتجت أن أذهب إلى الحمام لكنني كنت خائفة جدا، والدتي شجعتني على الذهاب برفقة والدي، وهو سوف ينتظرني إلى حين خروجي، ذهبت مع والدي، وأنا بالداخل سمعت صوت قصف شديد، خرجت فوجدت أبي يتحرك بسرعة من مكانه وبعدها وقع كل شيء على رأسنا، لم أعد أريد أن أذهب إلى الحمام أبدا”.
خرجت سوزي ووالدها من مستشفى الشفاء الطبي في غزة بعد تلقيهما العلاج اللازم، ولكنها تعيش حالة نفسية صعبة، فهي لا تعلم أن والدتها وإخوتها قد استشهدوا، يحاول والدها أن يشغلها بوجود أطفال الجيران حولها حتى لا يبقى الحزن بداخلها، لكنها بدأت تفتقد والدتها وإخوتها وتسأل عن غيابهم كثيرا.
وظهر والدها محمد إشكينيا (42 عاما) معها وهو يقول إنه كان يعتقد أنه يعيش في منطقة آمنة جدا لا يمكن أن يتم استهدافها من قبل الطائرات الإسرائيلية، يمر هو الآخر بحالة من الصدمة بعد فقد أطفاله الأربعة، وهم دانا (9 سنوات)، ولانا (6 سنوات)، ويحيى (4 سنوات)، وزين (عامان ونصف)، وزوجته (28 عاما).
يقول السيد إشكينيا “لم أشعر للحظة أنني أعيش في منطقة خطرة على أطفالي، لقد كنت أقول دائما إنها مكان آمن ولكن خابت كل ظنوني بعد هذا الاستهداف الصعب، فقدت 4 من أطفالي وزوجتي، سمعت أصوات أطفالي تحت الركام يصرخون “بابا.. بابا” وبعد لحظات يختفي صوت واحد تلو الآخر، حتى جاء أحد رجال الإنقاذ، كان ينادي إن كان يوجد أحد في المكان وكنت أصرخ “الله.. الله” حتى أخرجني من المكان، ثم خرجت طفلتي سوزي بعد 10 ساعات من تحت الركام، بقاؤها على قيد الحياة معجزة لكي تكون سندا لقلبي”.
ل. ب