لعل الكثيرَ منا يَعرِف أن معظم أفلام الكارتون التي تَعرِضها القنواتُ الفضائية للأطفال مستجلَبةٌ من ثقافات مختلفة تمامًا عن عاداتنا العربية والإسلامية، وربما يعرف الكثير منا أيضًا أنها منتجاتُ ثقافةٍ تَستَهدِف الرِّبح بشكل أساسي، ولا تهتم كثيرًا بمحتوى المضامين. ولأن الطفل الذي يشاهدها في مرحلة النمو المبكرة، وهو لَمَّا يَزَلْ غيرَ قادر على التمييز بين الواقع والخيال، بين العمل الفني الصالح، وبين العمل الفني الطالح؛ فإنه غالبًا ما يُحَاكِي ما يُعرَض منها على الشاشة من شخصيات كارتونية؛ بسب تأثُّره بها، ونزوعه إلى تقليدها في سلوكه، دون وعي منه لمخاطرها على مستقبل بناء شخصيته. وبغضِّ النظر عن السلبيات الأخرى على الطفل، فلا شكَّ أن التداعي الأخطر عليه هو المحاكاة لسلوك أبطال الأفلام التي يشاهدها، ومنعكسات تلك المحاكاة المبكرة على تكوين شخصيته، وتحديد أنماط سلوكه المستقبلي.
فمن المعلوم أننا في ثقافتنا التربوية العربية الإسلامية نركِّز على التأسِّي بالأنبياء، والصالحين، والأبطال، والعلماء، والأفاضل من أعلام القوم من السلف والخلف، في استلهام مناقبهم الحميدة، عند بناء الجيل، على قاعدة ” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ” الأحزاب: 21؛ فنتخذهم قدواتٍ حسنةً في الحياة، وأمثلة بهية للتأسي، في حين نجد أن هذه الأفلام تتخذ أبطالاً أسطوريين قدوة في عروضها، في عملية تحريف للأسوة الحسنة المعروفة في ثقافتنا؛ مما يجعل الأطفالَ يقلِّدون شخصيات كرتونيةً وهمية مخترعة، لا وجودَ لها أصلاً في واقعهم، ناهيك عمَّا قد تعكسه محتويات تلك الأفلام من أفكار بعيدة عن القيم والتقاليد؛ حيث يحاول الطفل تقليدها، وما يترتب على ذلك التقليد من غرس قيم سيئة، وعادات سلبية، لا جدال في أن لها مخاطرَ كثيرة على شخصية الطفل، وسلوكه المستقبلي.
لذلك يتطلب الأمر الانتباهَ إلى هذه الظاهرة بشكل جاد، والتعامُل معها باتجاهين متوازيين في نفس الوقت، ينصبُّ الأول منهما على تفعيل دَوْر الأسرة في توعية الأطفال، وإعانتهم على اختيار مشاهدة أفلام الكارتون القريبة من عاداتنا وتقاليدنا، تعكس أخلاقيات تراثنا العربي الإسلامي، وتقوم بتحبيبها لهم؛ لكي تغرس فيهم القيمَ والأخلاقيات المستقاة من صميم واقع مجتمعنا؛ مثل: المروءة، والصدق، والأمانة، والتعاون، والإيثار، وغيرها من القيم الفاضلة، وتغذِّيهم بأفكار هادفة تساعدُهم على الاندماج في المجتمع، والتعايش مع الآخرين بإيجابية.