نعيشُ في زمنٍ تسارعت فيه الأهواءِ والرغبات، وتكاثرت فيه الشبهات والشهوات، ولا نجاة للمسلم إلا أن يتمسك بقِيمه الإسلامية النبيلة، ويتشبثَ بتعاليم دينهِ القويمة، ومن أهم هذه القيم: تحري الحلال وطِيبِ المطعم، فلئن كان المالُ هو عصبُ الحياة، فإن تحري الحلالَ هو أسلوبُ حياةٍ يترتبُ عليه الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة، أو الخسارة والهلاك فيهما معاً.. ولقد تساهل كثيرٌ من المسلمين في هذا الأمر الخطير، ففي الحديث الصحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل جسمٍ نبت مِنَ سُحْتٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ”.. وفي حديثٍ آخر: “لا يدخلُ الجنَّةَ جسدٌ غُذِيَ بحرامٍ”.. ألا وإنَّ من عظيم رحمةِ الله وفضله على عباده أنه سبحانه تكفّلَ لكل حيٍّ بالرزق الحلال الطيب، فقال تعالى ” وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ” هود6، وعندما يستريب المؤمن أو يشك في مكسبٍ ما، أهو من الحلال البين أم من الحرام البين، فإنّ السلامة لا يعدلها شي، ففي الحديث الصحيح: “دع ما يريبك إلى ما لا يريبك”.. ولا شك أنَّ تحري المكسب الحلال والمطعم الطيب له ثمراتٌ عظيمةٌ، وفوائدٌ جمة..
– وأول هذه الثمرات: أنَّ تحرِّي المكسبَ الحلال، إنَّ كان طاعةً لله تعالى، فهو عبادةٌ جليلةٌ يؤجرُ المسلم عليها، قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ” البقرة:172.. وفي صحيح البخاري ومسلم، “إنَّ المُسْلِمَ إذا أنْفَقَ علَى أهْلِهِ نَفَقَةً، وهو يَحْتَسِبُها، كانَتْ له صَدَقَةً”..
– وثاني الثمرات: فهي أنّ تحري الحلال وطِيبَ المطعمِ من أسباب حصول السعادة والحياةِ الطيبة المطمئنة، في الحديث الصحيح أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “أربعٌ إذا كنَّ فيكَ فلا عَليكَ ما فاتَكَ منَ الدُّنيا: حفظُ أمانةٍ، وَصِدْقُ حديثٍ، وحُسنُ خَليقةٍ، وعفَّةٌ في طعمةٍ”..
– الثمرة الثالثة: أنّ تحري الحلال وطِيبَ المطعم من أسباب صلاح الأبناء: قال إسماعيل بن إبراهيم البخاري، والد صاحب صحيح البخاري: “لا أعلم في جميع مالي درهمًا من شُبهة”، تأمل ففي هذه البيئة الطاهرة والبيت الصالح نشأ الإمام البخاري رحمه الله، وغالب الظنّ أنَّ طِيب المكسبَ كان له أثرٌ في صلاحه ونبوغه..
– الثمرة الرابعة: أنّ تحري الحلال وطِيبَ المطعمِ من أسباب إجابةِ الدعاء: ففي صحيح مسلم “أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟!”..
– الثمرة الخامسة: أنّ تحري الحلالَ وطِيبَ المطعم، من أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار.. ففي الحديث الصحيح، قال صلى الله عليه وسلم: ” إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا”، فاحذَروا أيها المسلمون من كل كسبٍ خبيث، ولا تَغرنَّكم الدنيا فإنها متاعٌ قليل، ولذةٌ عابرة، واعلموا أنكم إن اتَّقيتم الله وتحريتم فيها الحلال، رزقكم الله من حيث لا تحتسبوا، وبارك لكم فيما أعطاك، ومن تركَ شيئًا للهِ عوَّضهُ اللهُ خيرًا منه..