أضواء من جامع الجزائر.. مَسَاجِدَ اللَّهِ (الجزء الخامس والأخير)

أضواء من جامع الجزائر.. مَسَاجِدَ اللَّهِ (الجزء الخامس والأخير)

إنّنا نعيش في عصر أكبر سماته هو أنّه عصر تجمّعات وتكتّلات. وأمّتنا هي أجدر النّاس بذلك. وأحوج ما تكون إلى تحقيق التجمّع والتكتّل والتوحيد، أمام أعدائها، وقوى الشرّ العالمية، الّتي تقف لها بالمرصاد، من كلّ جانب. ولقد كان من فضل الله علينا أن جعل شعار أمّتنا “كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة”. فالله واحد، والقرآن واحد، والرسول واحد، والقبلة واحدة، والأمّة واحدة. “وإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ” المؤمنون.52. وحين نراجع تاريخ أمّتنا الحافل بمفاخر الزمن، وجلائل الأعمال، نجد أنّ أمّتنا لم تشهد عزّا، ولم تحقّق نصرا، إلّا بروح التضامن والتكافل، والتكتّل والوحدة. وأنّها لم تتعرّض للزلازل والنكبات، إلّا في ظلمات التفرّق والتمزّق والشّتات. ولذلك كان شأن الأعداء دائما أن يتعاملوا معها بطريقة: “فرّق تسد”. فهم لا يغيظهم شيء كأن يروا الأمّة المؤمنة متآلفة متماسكة؛ ولا يسرّهم شيء كسرورهم حين يرونها متفرّقة متمزّقة. لأنّهم، حين ائتلافها واتّحادها، لا يستطيعون أن ينالوا منها منالا، ولكن، حين تفرّقها وتمزّقها، يجدون الثّغرات الّتي ينفذون منها إلى أغراضهم الّتي يريدون، ومآربهم الّتي لها يسعون.

لقد ذقنا الأمرّين في الماضي، بسبب التفرّق والتمزّق، وقاسينا، من جرّاء ذلك ما قاسينا في أوطاننا وشعوبنا. وقد آن الأوان كي نفقه هذا الدرس العصيب، فنترك روح العصبية والإقليمية، وننبذ نزعة الجاهلية؛ وننتظم تحت لواء الوحدة والتضامن بين شعوبنا؛ إنّ هناك من يدعو إلى أن تيأس الأمّة من نفسها، إذا لم يكن فيها بقية صالحة لحياة عزيزة كريمة، ونحن المسلمين نقرأ أحاديث لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، تمنحنا طاقة من الأمل، بأنّ المستقبل للإسلام، مهما يبلغ الفساد، وتتكاثر قوى الشرّ، ويتعاظم طغيان أهل الباطل. ومهما تشتدَّ الخطوب، ويدلهمَّ الظلام، فإنّ اليأس لا يجد إلى قلوب المؤمنين سبيلا. فلا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمته إلاّ الضّالّون.

 

الجزء الخامس والأخير- من خطبة الشيخ محمد المأمون القاسمي-