إنّ العالم اليوم يعيش أزمة ضمير، وانهيارًا في القيم والأخلاق، وازدواجية في المعايير.
وما الحروب القائمة اليوم، ومنها حرب الإبادة الإجرامية، الدائرة على أرض فلسطين، إلّا دليل على ذلك. وفي ظلّ هذه الأوضاع المتردّية، تفاقمت الإساءة إلى الرموز والمقدّسات الدينية، مع انتشار الأصولية الغربية، وتنفيذ مستمرّ لمخطّطات الصهيونية العالمية. وقد وقف العالم أجمع على عدالة قضيتنا المركزية، وحقيقة صراعنا مع الكيان الصهيوني الدخيل، وامتداداته العالمية، وما له من تداعيات على واقع المجتمعات، وخطورة الأفكار النمطية، الّتي تكتسح الحضارة الإنسانية؛ وأصبح تغيير العالم ضرورة حتمية، لإنقاذ المجتمعات البشرية. وهذا يقتضي إعادة بناء ثقافة الحوار على أسس صحيحة، وتنمية الوعي بحقّ الاختلاف. وإنّنا نأمل أن يكون جامع الجزائر مركزا عالميا، روحيا وثقافيا وسياحيا؛ يسهم مع مراكز العالم الإشعاعية، في نشر قيم الحوار، وتقديم الصورة السليمة للإسلام، والردّ على الّذين يسيئون إلى المسلمين، ويطعنون في الدّين الحنيف. إنّ مشروع “جامع الجزائر” يضع، ضمن أهدافه، الإسهام في تصحيح ما اختلّ من موازين، بفعل الحضارة المادّية المعاصرة، وما أحدثته من تشوّهات وانحرافات، أساءت إلى البيئة، وإلى الإنسان والكون والحياة. ونتطلّع إلى أن تتجسّد في رسالته منظومة القيم الإسلامية، ومعاني الحضارة الإسلامية، بخصائصها الذّاتية؛ ومن أبرزها أنّها ربّانية المصدر والغاية، إنسانية النزعة والتوجّه. ومن مميّزاتها أنّها حضارة رسالة ومسؤولية، حضارة أمّة تخدم دينها بخدمة الإنسانية. لقد تساءل الإمام المجدّد، عبد الحميد بن باديس، رحمه الله، بقوله: “لمن أعيش؟” وأجاب: “أعيش للإسلام وللجزائر”. فما أحوج البشرية إلى هداية الإسلام، لتتحرّر من عبودية الدنيا، وترتقي إلى عبودية الله.
الجزء الرابع- من خطبة الشيخ محمد المأمون القاسمي-