هكذا، كانت المدارس والمعاهد والزوايا العامرة بالذّكر والعلم معاقل للتربية والجهاد؛ ثمّ تبعتها جمعية العلماء الـمسلمين الجزائريّين، وشكّلت كلّها قلاعا قرآنية حصينة، امتزجت في رسالتها الرّوح الدينيّة الإسلامية بالروح الوطنية؛ ودفعت عن شعبنا مخاطر التنصير والتغريب، وحفظت له عقيدته وقيمه، ومقوّمات شخصيته الأساسية. وها هي المحمّدية، في عهد الاستقلال، قد عادت إلى المحمّديين، والحمد للّه ربّ العالمين. عادت إلى الحبيب المصطفى، إلى سيّدنا محمّد عليه الصّلاة والسّلام، بمنارة علوُّها ارتقاء الشّهداء، وشموخ الـمجاهدين والوطنيّين؛ علوّ “التّوحيد”، نحن اليوم، معاشر المسلمين، سعداء بافتتاح هذا الصرح الحضاري الشامخ ليكون، بحول الله، الجامع لكلّ أبناء الجزائر، بمختلف مكوّناتهم، وتنوّع نسيجهم الثقافيّ والاجتماعيّ، يُحافظ على مرجعيّتهم الدّينيّة، ويحصّن قيمهم الروحية والوطنية. يسعى، بحول الله، لتتآلف برسالته الأرواح، وتترابط القلوب. لا يجد الناس في رحابه إلّا صلاحا وفلاحا، ومثابة وأمنا. ولا يستمعون من منبره إلّا للموعظة الحسنة، والكلمة الهادية لأقوم طريق وأهدى سبيل. سبيله الدعوة إلى الله بمنهج الوسطية والاعتدال؛ وهو منهج الإسلام، منهج الحقّ الّذي لا يشوبه باطل، منهج الهدى الّذي لا يغشّيه ضلال. سيكون جامع الجزائر هو الجامعة؛ فمنه، إن شاء الله، تنطلق قوافل العلماء، تتفجّر من صدورهم الحكمة والـمعرفة، ليس للوطن فقط، ولكن للإنسانيَّة جمعاء. هذا الـمأمول منه، بعون الله، وبه نحيِي تاريخ مساجدَنا الّتي كانت منارات علم، ومنتديات حوار، ومعاقل حضارة.
الجزء الثالث- من خطبة الشيخ محمد المأمون القاسمي-