لكل شعب مفخرته التي يتباهى بها بين الأمم، إما بوضعه صرحا علميا ينير العالم به، أو برفعه سلاحا دفاعا عن أرضه، أو احتواء أرضه على واحدة من عجائب الدنيا، فكما للمصريين أهرامهم، وللعراقيين حدائقهم، لنا نحن الجزائريون ثورتنا التحريرية التي تغنى بها العالم، وأبهرت الجميع على مدار السنين، واستطاعت بعظمتها أن تجمع حولها أصدقاء من خارج أرضها سواء من أبناء العدو ذاته أو أبناء الدول الأخرى، فحقت لهم تسمية أصدقاء الثورة.
ظلت الجزائر وفية لمناصري وداعمي الثورة التحريرية المظفرة، الذين دافعوا عن مسيرة كفاح هذه القضية العادلة، إذ كسبت الثورة العديد من دعاة التحرر العالمي من القادة ورجال الفكر والثقافة، الأطباء، الصحافيين والمحامين.
من هؤلاء؟

ومن بين هذه الشخصيات التي دافعت عن الثورة الجزائرية، أونريكو ماتيي أحد أبرز أصدقاء الثورة الجزائرية، الذي عُرف عنه تقديم دعمه الكامل والجدي لجبهة التحرير الوطنية والحكومة المؤقتة، من خلال تسهيل مهمة ممثلي الجبهة بإيطاليا وفتح المجال لها على مصراعيه في النشاط السياسي والدبلوماسي.
وكذلك نجد، فرانسيس جونسون وهو من مواليد مدينة بوردو الفرنسية سنة 1922 الحاصل على شهادة الليسانس في الفلسفة والأستاذية من جامعة السوربون، وزوجته كوليت، الكاتبة والمتخصصة في علم النفس، إذ ساهم بالعديد من الكتابات الخادمة لثقافة التحرر والرافضة للسيطرة الاستبدادية الكولونية.
وهناك أيضا، جان بول سارتر وموريس أودان، وهنري علاق، والمحامي الفرنسي والمناضل الثائر الراحل جاك فرجيس، الذي دافع عن المناضلة الجزائرية الكبيرة جميلة بوحيرد، وما يُعرف تاريخيا بـ “حملة الحقائب”، وهذا الاسم كان يطلق على نخبة من الفرنسيين انضمت لخدمة الثورة الجزائرية وهم شباب وشابات كانوا يجمعون التبرعات لصالح جبهة التحرير الوطني ويحملون هذه الحقائب المليئة بالأموال لإيصالها إلى أعضاء جبهة التحرير الوطني، عن طريق التنسيق مع ما تسمى بفيدرالية فرنسا (أعضاء جبهة التحرير الوطني في فرنسا).
ومع نهاية عام 2021، كرّمت الرئاسة الجزائرية صحافيَين إيطاليَين هما بييرو أنجيلا (92 عاماً) المقيم حالياً في روما، والصحافي بيرناردو فالّي المقيم في باريس لمساهمتهما في تغطية ونقل صور وأحداث التظاهرات التي قام بها الشعب الجزائري رفضاً للاستعمار وتمسكاً بحقه في الاستقلال، في 11 ديسمبر عام 1960، حيث منح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الصحافيين، وسام استحقاق ولقب “أصدقاء الثورة الجزائرية”.
وسام أصدقاء الثورة الجزائرية، هو وسام جزائري أنشئ في 30 جوان 1987 يمنح للشخصيات الأجنبية التي قدمت مساندة مادية ومعنوية فعلية للقضية الجزائرية.
ملتقى يحتفي بالأجانب الذين خدموا الثورة

وتعمل الجزائر على تكريم كل أصدقاء الثورة التحريرية الجزائرية عبر مختلف قارات العالم، نظير مواقفهم المشرفة ودعمهم للقضية الجزائرية، وهو ما أكده وزير المجاهدين وذوي الحقوق السيد العيد ربيقة.
وبهذا الخصوص احتضنت الجزائر الملتقى الدولي حول أصدقاء الثورة الجزائرية، الذي تم تنظيمه على مدار يومين 17 و 18 ماي من السنة الجارية، وهو أوّل ملتقى يحتفي بالأجانب الذين خدموا الثورة الجزائرية، إذ حظي 54 من أصدقاء الجزائر يمثلون مختلف دول العالم، إلى جانب أساتذة وباحثين ومؤرخين، بتكريم رمزي من وزارة المجاهدين وذوي الحقوق.
وشاركت في الملتقى شخصيات من مصر وتونس وليبيا والسعودية وفرنسا وسويسرا وتنزانيا والكونغو وكوبا وهولندا والشيلي وإيطاليا وإسبانيا ودول كثيرة أخرى، وقفوا كلهم في صف الثورة الجزائرية.
النضال الجزائري أعطى العالم درسا في الوحدة والتضامن

أجمع عدد من أصدقاء الثورة الجزائرية الذين شاركوا في الملتقى الدولي على أن الثورة التحريرية شكلت مصدر إلهام للعديد من الشعوب التي عانت من ويلات الاستعمار وأعطت درسا للعالم في الوحدة والتضامن والالتفاف حول القضايا الوطنية.
فرنسوا لويس: “رفضت الخدمة العسكرية وفضلت القضية الجزائرية”
وبهذا الخصوص عبر صديق الثورة الجزائرية، فرنسوا لويس عن فخره واعتزازه لمساندته للقضية الجزائرية، خاصة وأنه رفض أداء واجب الخدمة العسكرية وفضل مغادرة الجيش الفرنسي، بهدف مساندة الثورة الجزائرية ودعم مناضلي جبهة التحرير الوطني بأوروبا.
وأضاف لويس أن “عمره كان لا يتجاوز 19 سنة، لما قرر الانضمام إلى هذا الكفاح وتبني القضية الجزائرية”.
ليونيداس موسهوكولوا: “الثورة الجزائرية جسدت كل معاني الوحدة والتضامن بين الشعوب”
حرص صديق الثورة الجزائرية التانزاني، ليونيداس موسهوكولوا، على التنويه بعظمة الثورة الجزائرية وإسهامها في دعم حركات التحرر في إفريقيا ومختلف بقاع العالم خلال القرن العشرين، مبرزا أن “الثورة الجزائرية جسدت كل معاني الوحدة والتضامن بين الشعوب، خاصة الإفريقية منها، وأظهرت للعالم أجمع مدى تمسك الشعب الجزائري بمبادئه الرافضة للاستعمار والاستعباد”.
لزهر القاسمي الزيدي: “على الدول العربية أن تستلهم من كفاح الجزائر لتكون جسدا واحدا”
أما صديق الثورة التونسي لزهر القاسمي الزيدي، فقد عبر عن أمله في أن تتوحد الدول العربية وتستلهم من كفاح الجزائر لتكون “جسدا واحدا يجمع شمل الإخوة ويمنع شتاتهم”، داعيا في هذا الصدد إلى العمل على غرس حب الوطن في نفوس الأجيال الصاعدة.
وتطرق في ذات السياق إلى مشاركته في الثورة الجزائرية واحتكاكه بالمجاهدين قائلا: “عشت مع إخواني الجزائريين الكفاح المسلح ولمست معاناتهم وتضحياتهم من أجل نيل الحرية”.
وفي حديثه عن الجانب الانساني لثورة التحرير المجيدة، لفت الزيدي إلى أن “قادة الثورة الجزائرية لم يفرقوا في المعاملة بين الجزائري وغيره، وكان الهدف الوحيد للجميع هو استقلال الوطن بأي ثمن”.
منير محمد فوزي: “والدي كان وطنيا ومحبا للجزائر ولم يتردد في قبول تلحين نشيدها”
من جهته، أعرب منير محمد فوزي، نجل ملحن النشيد الوطني “قسما” محمد فوزي، عن اعتزازه بالعلاقات العميقة التي تربط الشعبين الجزائري والمصري، مشيرا إلى أن “الشعب المصري ساند ودعم الشعب الجزائري في ثورته التحريرية واحتضن قادة جبهة التحرير الوطني”. وأضاف أن “والده محمد فوزي كان وطنيا ومحبا للجزائر ولم يتردد في قبول تلحين نشيدها الوطني”.
مارغريتا كوكيباكر: “ساهمت بجمع التبرعات وتنظيم المظاهرات”
من جهتها، أشادت السيدة مارغريتا كوكيباكر من هولندا بتضحيات الشعب الجزائري إبان ثورة التحرير، مؤكدة أنها “ساهمت شخصيا في دعمه من خلال المساعدات المادية التي كانت تقدمها رفقة أصدقائها من بعض دول أوروبا وكذا مشاركتها في المظاهرات المنددة بالاستعمار الفرنسي للجزائر”.
سويسريون وسويسريات تجندوا لصالح الثورة الجزائرية
فافرو: “خدمة صحفية في ظروف صعبة“

علاقة شارل هنري فافرو الوثيقة بقيادات الثورة الجزائرية وتوليه عدة مهام حساسة جعلته يعيش فترات حرجة تتجاذب فيها الرغبة في القيام بدوره كصحفي همه نشر المعلومات التي يحصل عليها، والثقة التي وضعت فيه لنقل بعض الرسائل والاتصال ببعض المسؤولين.
ويعترف الصحفي والكاتب السويسري أنه بدون صداقته مع الطيب بولحروف، ما كان ليتابع تطورات الثورة الجزائرية من هذه المكانة المقربة ويتعرف على أسرار في غاية الأهمية، حرص على مراعاة عدم البوح بها لتجنيب المشاركين فيها ويلات الاغتيال.
فقد تمكن شارل هنري فافرو من الاقتراب من قيادات الثورة الجزائرية منذ شهر أكتوبر 1956 أمثال بوصوف أو كريم بلقاسم في القاهرة أو فرحات عباس وبومنجل في لوزان وفي تونس. وقال في حواره الطويل مع swissinfo.ch “لحد أنني طورت علاقات وثيقة مع شخصية مرموقة في الثورة الجزائرية وهو أوعمران الذي كان مسؤولا في القاهرة عن تمرير الأسلحة، والذي دعاني لمرافقته في رحلة عبر البر من القاهرة إلى تونس مرورا بليبيا على متن سيارة فخمة أهدتها السعودية للثورة الجزائرية”.
ومن علامات الثقة التي وضعتها قيادات الثورة الجزائرية في هذا الصحفي السويسري، يذكر شارل هنري فافرو بأنهم “سمحوا لي بالدخول إلى مقر جبهة التحرير في القاهرة مرفوقا بمصور التقط لأول مرة صورا لهذه القيادات، وهي الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام فيما بعد”، ويضيف أنه “الحادث الذي أثار اهتمام الفرنسيين لحد أن بعضا من الأصدقاء الفرنسيين في محيط رئيس الوزراء الفرنسي ميشلي، بدأ يطلب مني نقل رسائل بين الطرفين”.
ويقول شارل هنري فافرو عن مهمته هذه “لقد كانت تمثل الأسلوب السري والمباشر الذي سمح بالوصول إلى فتح ملفات هامة والتحدث بلغة مفهومة من الطرفين”، لكن فافرو الذي واصل القيام بهذه المهمة بدون آمال كبرى في البداية يرى “أن الراغبين في تدويل الصراع الجزائري الفرنسي، بعد أن حصلوا على تدويل عبر الاعتراف بجمعية الهلال الأحمر الجزائري قادوا إلى فشل محاولة مفاوضات إيفيان الأولى القائمة على أساس حلول غير قابلة للتطبيق وتسمح بإبقاء التواجد الفرنسي في الجزائر”، وهو ما أدى إلى إضاعة سنة كاملة شهدت حدوث أعنف المواجهات مع المنظمة السرية OAS ولكنها أبطلت في نفس الوقت أي إمكانية للتمسك بالمطالب الداعية إلى إبقاء التواجد العسكري الفرنسي في الجزائر.
بعد هذا الفشل، حاول شارل هنري فافرو تفعيل مسار مفاوضات سري، هو المسار الذي أدى فيما بعد إلى مفاوضات إيفيان ثم الى استقلال الجزائر في عام 1962.
ويتذكر شارل هنري فافرو كيف “أن شخصيات فرنسية من أمثال بيار جوكس كانت معارضة، في حين أن شارل ديغول وميشال دوبري كانا متحمسين لذلك”. ولعدم إثارة الانتباه لشخصية فرنسية تتردد بكثرة على جنيف، تم اختيار كلود شايي الذي كان يشغل في نفس الوقت منصب ممثل فرنسا لدى المقر الأوربي لمنظمة الأمم المتحدة. وهكذا تمكن شارل هنري فافرو من عقد لقاء أولي بين كلود شايي وسعد دحلب اللذين قال عنهما “إنهما تمكنا من التفاهم بسرعة وبفضلهما تم تحضير ملف مفاوضات إيفيان طوال العام 1961 الذي أدى في عام 1962 إلى الاستقلال”.
وأتعس ما عاشه كصحفي هو معايشته لأحداث تعد سبقا إعلاميا، وعدم التجرؤ على نشر ذلك. لكن فافرو أدرك “بأن الإفشاء ببعض من تلك الأسرار كان سيعرض مئات من الأشخاص للهلاك في حرب بشعة حولتني إلى مناضل همه الوحيد هو وضع حد لتلك المآسي التي ترهق الطرفين”.
وهذا ما سمح بتمهيد الطريق لتدخل سويسرا الرسمية كمسهل لتلك المفاوضات بين الجزائر وفرنسا فيما عرف بمفاوضات إيفيان. وحتى في هذه المرحلة كلف شارل هنري فافرو بإبلاغ فرحات عباس ومحمد يزيد في الدار البيضاء “بأن شارل ديغول موافق على الوساطة السويسرية”.
ولكن الخطأ الذي ارتكبته سويسرا بإصدار بيان صحفي عن وساطتها في هذه المفاوضات بدل الاحتفاظ بذلك سريا، أدى حسب شارل هنري فافرو “إلى اغتيال رئيس بلدية إيفيان وتهديد رئيس بلدية لوزان بيار اندري شوفالا بالقتل لإيوائه الوفد الجزائري المفاوض على ترابه”.
إيفلين سيلرو.. تجتاز الحدود بالأموال والوثائق خدمة للثورة الجزائرية
«إيفلين سيلرو» التي أصبحت فيما بعد مشهورة بعضويتها في المجلس الدستوري، والتي بدأت بتهريب وإيواء الطيب بولحروف نفسه، قبل أن تسهم في النضال إلى جانبه بصحبة آخرين، حيث كانت إيفلين سيلرو تجتاز الحدود الفرنسية السويسرية بسهولة على متن سيارتها المكشوفة، وهي تحمل حقائب مملوءة بالأموال لصالح الثورة الجزائرية. وقد قام مكتب اتصال الثورة الجزائرية في لوزان بدور فعّال في شبكات ما أطلق عليهم اسم «حاملي الحقائب»، أي أولئك السويسريين والفرنسيين الذين تجندوا لنصرة الثورة الجزائرية دون أي منفعة مادية متحدين المخاطر، وكانوا في أغلبهم من ذوي المظهر الوسيم واللباس المحترم، لتمكينهم من اجتياز الحدود بدون إثارة الشكوك.
ايفلين لافاليت.. آمنت بالقضية وتحدّت الإدارة الفرنسية

تعتبر إيفلين لافاليت من بين المناضلات الأوروبيات التي انخرطت في صفوف جبهة التحرير الوطني ونشطت فيها، وآمنت بالقضية الجزائرية متحدية الإدارة الاستعمارية، كما أنها أخفت الكثير من المناضلين الجزائريين بفضل اتصالاتها مع بن يوسف بن خدة وبحثها سنة 1956، عن مأوى لبن مهيدي، اوعمران، كريم بلقاسم وسليمان دحيلس، الذين آوتهم في منزلها عدة مرات.
وشهد منزلها العديد من اللقاءات والاجتماعات بين بن خدة، عبان رمضان ومحمد الصديق بن يحيى، حيث كلفها بن خدة بالمسارعة إلى رقن «النداء إلى إضراب الطلبة في 19 ماي 1956»، ورسالة الشهيد أحمد زبانة إلى والديه قبل إعدامه ببربروس على الآلة الراقنة، وكانت إيفلين لافاليت تضمن الاتصال بالجزائر، قسنطينة ووهران بصفة خاصة لتسليم الوثائق إلى حاج بن علا.
وقد ألقي عليها القبض في نوفمبر 1956، وحكم عليها بثلاث سنوات سجنا بوهران، الحراش والأصنام (الشلف).
وللعلم، فإن المناضلة الجزائرية من أصل أوروبي إيفلين لافاليت، ولدت بالجزائر وهي أرملة عبد القادر سفير الذي اشتغل بالصحافة خلال الفترة 1948 و1950، واشتغلت إيفلين بالتعليم بمدرسة ابتدائية في القصبة السفلى نهاية 1955.
موريس لبان.. صنع المتفجرات بطلب من بولعيد
ولد موريس لبان في أكتوبر 1914 ببسكرة، وفي سنة 1954 أُخبر موريس بأن هناك عملية تحضير لانتفاضة مسلحة بالأوراس، وبطلب من مصطفى بن بولعيد قام بصناعة متفجرات بواسطة الأسمدة الكيميائية، التي كان يتحصل عليها كونه كان مزارعا بمنطقة بسكرة، والوحيدة التي كانت تعلم بذلك زوجته أودات، كان موريس يريد الالتحاق بالثورة فتلقّى الموافقة من الشهيد بن بولعيد، الذي كان يريده إلى جانبه.
موريس أودان.. ضحّى برتبته العلمية من أجل عدالة الجزائريين

موريس أودان المولود بتاريخ 14 فيفري 1932 بباجة بتونس، كان من بين الأوروبيين الذين دافعوا عن القضية الجزائرية وهو في عمر الزهور، فقد ضحى برتبته العلمية من أجل عدالة الجزائريين الذين عانوا من ظلم وبطش الإدارة الاستعمارية.
شغل موريس أودان منصب أستاذ رياضيات مساعد بجامعة الجزائر، وعضو الحزب الشيوعي الفرنسي ومناضل مناهض للاستعمار، عُذّب وقُتل من طرف المصالح الفرنسية التي نكّلت به، لأنه ناضل لصالح الجزائر وتوفي سنة 1957.
هنري علاق.. جاء إلى الجزائر وناضل وعُذب وسُجن من أجلها

استقر هنري علاق بالجزائر قادما إليها من باريس في 1939، وناضل في الحزب الشيوعي الجزائري، وفي 1951 أصبح مديرا ليومية «الجزائر الجمهورية»، حيث دخل السرية سنة 1955، تاريخ منع إصدار الصحيفة بالجزائر.
واصل علاق في إرسال مقالاته إلى فرنسا فنشر بعضها، بجريدة «اومانتي»، ألقي عليه القبض في 12 جوان 1957 من طرف المظليين الفرنسيين بمنزل رفيقه موريس أودان، الذي كان قد قبض ليلتها وتم تعذيبه حتى الموت، سجن علاق شهرا بالأبيار أين تم تعذيبه، واستنطاقه باستعمال حقن «البونتوتال»، ثم حول إلى محتشد لودي أين لبث شهرا واحدا ليتم نقله إلى بربروس السجن المدني لمدينة الجزائر.
لمياء. ب
المرأة العربية.. الصديقة والأخت في طريق الكفاح

لم تقف المرأة العربية موقف المتفرج على كفاح الشعب الجزائري وتضحياته خلال مسيرة نضاله ضد المستعمر الفرنسي الغاشم، فالشعور بالقومية العربية ووحدتها كان يجري مجرى الدم في عروق كل نساء العرب اللواتي تأهبن لنصرة الشعب الجزائري.
ولأن الأمة العربية كانت ولا زالت كالجسد الواحد، فإن معاناة الشعب الجزائري من الاستعمار وكفاحه في سبيل نيل استقلاله، كان له بليغ الأثر عند الشعوب العربية التي لم يقتصر دعمها على حكوماتها أو رجالها، فقد تعدى الأمر ذلك لتسجل نساء العرب أروع صور النضال والمساندة لشعب عقد العزم أن تحيا الجزائر.
مشاركة في المسيرات وتقديم المجوهرات
لم يكن من السهل على المرأة العربية أن تهنأ بعيشها وهي تعلم أن أشقاءها وشقيقاتها الجزائريين يناضلون في سبيل تحرير بلدهم
وإخراج المستعمر الفرنسي، فأظهرت مساندتها من خلال المشاركة في مسيرات التنديد بالاستعمار رغم ما كان يكلفها ذلك وما يجر لها من متاعب، كما حاولت المرأة العربية على بساطة عيشها أن تقدم الدعم للثورة الجزائرية المباركة بما تملكه، فقامت الكثيرات منهن بتقديم حليهن للمنظمات التي كانت تنشط في سبيل تقديم المساعدة والدعم المالي للثورة الجزائرية، إيمانا منها بعدالة القضية ووحدة الشعوب العربية.
نبيلة فضل الدلقموني…الأردنية التي مزقت العلم الفرنسي وصاحت “تحيا الجزائر حرة عربية”

على الرغم من صغر سنها آنذاك، فقد كانت طالبة في الثانوية، إلا أن قلب نبيلة فضل الدلقموني كان عامرا بالقومية العربية، مؤمنا بعدالة القضية الجزائرية، فكانت من الطلاب الناشطين في سبيل مساندة الثورة الجزائرية ونيل الجزائر استقلالها.
وقد تعودت نبيلة فضل الدلقموني على تنظيم المظاهرات الحاشدة، وفي إحدى المرات وبعد أن نظمت مسيرة ضخمة داعمة للجزائر سارت المظاهرات إلى غاية السفارة الفرنسية بالمملكة الهاشمية الأردنية، ورغم أنه كانت هناك حراسة مشددة على السفارة إلا أن نبيلة الدلقموني ورفاقها لم يأبهوا بها واستمروا في مسيرتهم، وعندما وصلوا للسفارة قامت الدلقموني بالاستناد على شابين من المتظاهرين وصعدت ونزعت العلم الفرنسي وصاحت بأعلى صوتها أن تحيا الجزائر عربية حرة، وهو الأمر الذي أثار حفيظة السفارة والحكومة الفرنسية، التي رأت في ذلك اعتداء صارخا يستحق العقاب.
وبعد ذلك قامت نبيلة فضل الدلقموني بالتوجه مباشرة إلى المنزل، وقامت بتغيير ملابسها فنزعت ثياب المدرسة وارتدت ملابس البيت، وجلست تقرأ كتابا بكل هدوء، وفي أثناء ذلك كان أحد المندسين في المظاهرة ممن يعرفون نبيلة قام بالتبليغ عنها ووصل الأمر لمدير الأمن العام الذي اتصل بوالد نبيلة في حوالي الثانية زوالا يسأل عنها، فأجابه والدها بأنها في البيت ووجه لها سؤالا مباشرا إن كانت فعلت ذلك، فأجابت بالنفي، ورغم أن والدها لم يصدقها إلا أنه أجاب مدير الأمن العام بأنها لم تفعل ومن أبلغ عنها مخطئ، وبعدها قامت قوات الأمن باعتقال أحد الشباب الذين ساعدوها لتصل إلى سارية العلم، وحاولوا أن يجعلوه يعترف بقيام نبيلة بتمزيق العلم الفرنسي، إلا أنه لم يفعل ذلك.
“تلك الشبلة من ذاك الأسد”
رغم إنكار نبيلة فضل الدلقموني قيامها بتمزيق العلم الفرنسي، إلا قلب الأب خبيره، فهو لم يصدقها، فبعد أن أجاب مدير الأمن العام وأغلق الهاتف، توجّه إلى نبيلة قرة عينه وابنته البكر وسألها سؤالا مباشرا إن كانت قد مزقت العلم فصارحته وأجابته بأنها فعلت ذلك، فقام والدها بتقبيلها وقال لها ألا تخاف فأقل شيء فعله هو تمزيق العلم وكان يرى أن الواجب هو حرق سفارة الدولة الفرنسية المستعمرة بما فيها، وهو ما يدل على تألم الشعب الأردني لما يعانيه شقيقه الجزائري الذي طالت فترة استعماره، ورغبته في القيام بأي عمل يعبر فيه عن سخطه وكرهه لفرنسا ودعمه للجزائر الحبيبة.
وما قصة تمزيق نبيلة فضل الدلقموني وصراخها عاليا أن تحيا الجزائر حرة عربية إلا واحدة من الكثير من الأعمال التي شهدتها مسيرات المساندة للشعب والثورة الجزائرية، والتي لم تتوقف حتى نالت الجزائر استقلالها.
لمياء بن دعاس