في الوقت الذي تحاول مصالح ولاية الجزائر، تطهير “البهجة” من القصدير ووصفها بـ “الجزائر البيضاء”، ضمن مخططها الاستراتيجي الذي تطبقه إلى غاية 2030، يبدو أن الحلم لن يتحقق، فبالرغم من إعادة إسكان آلاف العائلات وترحيلها من بيوت الصفيح إلى الأحياء الجديدة، غير أن أزمة السكن ما تزال متواصلة لحد الساعة، نظرا لاستمرار تمركز العديد من الأحياء القصديرية في مختلف البلديات التي لم تمسها عملية إعادة الإسكان منذ انطلاقها في جوان 2014، دون أن ننسى القاطنين بالضيق الذين يعانون الويلات في سكنات ضيقة يتزايد فيها عدد أفراد العائلة بمرور الوقت.
أحياء قصديرية بالعاصمة منسية تماما من “الرحّلة”

ما تزال مئات العائلات التي تقطن بعدد من الأحياء القصديرية بالعاصمة، تتخوف من إقصائها كليا من عمليات الترحيل المتبقية، لاسيما بعد ترويج في وقت سابق لعدم امتلاك مصالح الولاية، الإحصاء الشامل للمواقع القصديرية في كامل إقليمها، ودليل ذلك، حسبهم، عدم إدراج عدد من البلديات للاستفادة من عمليات الـــ25 لإعادة الإسكان منذ انطلاقها في جوان 2014، وهو ما خلق نوعا من التخوف لدى القاطنين بهذه الأحياء، من تناسيهم وعدم برمجتهم للاستفادة من سكنات لائقة مثلها مثل آلاف العائلات التي تحقق حلمها على أرض الواقع.
ومن بين العائلات التي اختارت إيصال معاناتها، هي تلك التي تقطن بالعديد من الأحياء القصديرية ببلدية السحاولة نذكر منها حي “حوش لافو” الواقع ببلدية السحاولة، الذي وصل عدد السكان فيه إلى 500 عائلة، وأحياء قصديرية أخرى بجسر قسنطينة، بينها حي “الوئام” الذي يضم 60 عائلة، وأخرى ببوزريعة كسكان “طريق الشيوخ”، والمرسى كحي “المحجر”، القبة وغيرها من الأحياء التي تناستها كليا مصالح ولاية الجزائر، ولم تبرمجها للترحيل ضمن عملياتها التي تقوم بها منذ أكثر من أربع سنوات.
فحسب شهادات بعض القاطنين بالأحياء المذكورة، فإنهم يتخبطون في معاناة لا متناهية، لسنوات طويلة، بسبب وضعية تلك البيوت القصديرية، مشيرين إلى أنهم سئموا من الوضعية المزرية التي يتخبطون فيها منذ سنوات عديدة في سكنات لا تصلح للعيش الكريم، إضافة إلى انعدامها للعديد من ضروريات العيش الكريم، متذمرين من تماطل السلطات في إعادة إسكانهم، على الرغم من أن الأوضاع الحالية باتت تهدد صحتهم وصحة أبنائهم، بدليل استفحال مختلف الأمراض الصدرية والتنفسية كالحساسية والربو وغيرها، بسبب الرطوبة الشديدة، غير أن مصالح الولاية وحتى المحلية لم تبرمجهم لحد الساعة من أجل ترحيلهم مثلهم مثل آلاف العائلات التي استفادت من شقق لائقة في إطار عمليات الترحيل، التي مست العديد من الأحياء القصديرية بالعاصمة، مشيرين إلى أن أحياءهم بالرغم من صغر عدد الأفراد القاطنين بها، إلا أنهم يعيشون نفس المعاناة التي يعيشها السكان في أكبر المواقع القصديرية، وهو ما جعلهم يطالبون والي ولاية الجزائر، عبد الخالق صيودة، بضرورة برمجة زيارة لأحيائهم القصديرية والوقوف على حجم المعاناة التي يتخبطون فيها لسنوات عديدة، دون أن ننسى الأمراض التي باتت تهدد صحتهم، عسى ذلك يشفع لهم في الحصول على ما يريدونه.
واستاء السكان من عدم مبالاة مصالح المحلية وحتى مصالح الدائرة الإدارية، التي لم تكلف نفسها عناء إحصاء أصحاب القصدير والسعي لبرمجتهم ضمن عمليات إعادة الإسكان التي تقوم بها مصالح ولاية الجزائر منذ ما يزيد عن أربع سنوات، حيث لم تبال بمعاناتهم التي أرقتهم وحرمتهم من العيش بكل أريحية في شقق لائقة مثلهم مثل آلاف العائلات التي استفادت من الترحيل.
التأجيلات تؤجج غضب الآلاف من سكان القصدير

خلفت عملية الترحيل الــ25، في إطار عملية إعادة الإسكان الخاصة بالولاية، التي انطلقت منذ أيام، وما تزال متواصلة، موجة من الاحتجاجات، في العديد من الأحياء الهشة بالقصبة وبلوزداد والبلديات الأخرى كبولوغين بينها السكنات الصخرية بشارع “الأمير خالد”، وآخرها سكان الأقبية بحي “سوريكال” بباب الزوار، الذين خرجوا عن صمتهم وبصفة فجائية، بعد أن تفاجأ هؤلاء البالغ عددهم 511 عائلة، بتأجيل عملية ترحيلهم التي كانوا ينتظرونها منذ 2014، غير أنهم اصطدموا بعدم إشعارهم بذلك، ما يعني تفويت الترحيل المبرمج لهم، ما أثار حفيظتهم وأدى بهم إلى نشر عدة شكاوى عبر الصفحة الرسمية للولاية، يطالبون فيها بضرورة ترحيلهم في أقرب الآجال.
عملية الترحيل أثارت استياء الكثير من المتضررين، في العديد من الأحياء القصديرية وحتى الهشة، أين هددوا بالخروج للشارع وتصعيد لغة الاحتجاج كوسيلة للضغط على الولاية، قصد تحديد موعد ترحيلهم إلى سكنات لائقة،
وأمام هذا الوضع والتساؤلات العديدة، التي أسالت الكثير من الحبر حول المعايير والمنهجية التي انتهجتها مصالح “صيودة” في تحديد المرحّلين، فإن والي العاصمة، يواجه تحديا صعبا، لتهدئة المواطنين وامتصاص غضبهم، قبل الموعد النهائي لترحيل ما تبقى من 72 ألف عائلة، حسب إحصاء 2007 الذي تعتمد عليه السلطات في معرفة عدد العائلات المحتاجة لسكن لائق، والذي لم يكشف عنه بعد، غير أن آخر المعلومات تقول إن العملية الـــ25 ستكون آخر عملية للقضاء على القصدير، حسب التصريحات التي كان قد أدلى بها الوالي السابق، عبد القادر زوخ، وهو ما أدى بالعديد من العائلات التي ما تزال تقطن القصدير والهش بالعاصمة، تطالب بفك الغموض الذي يكتنف مصيرها، بعد الشكوك العديدة والتساؤلات المثيرة عن السبب الرئيسي لعدم ادراج عدد من بلديات بالعاصمة، في المراحل الـــ25 التي مرت بها “الرحّلة” منذ بدايتها في جوان 2014، بالرغم من أن غالبيتها تضم نقاطا سوداء بالعاصمة.
الآلاف من أصحاب الضيق على فوهة بركان
بات آلاف مسجلي السكن الاجتماعي بالعديد من بلديات العاصمة التي لم تنشر بعد قائمة “السوسيال”، على فوهة بركان، نظرا لاستمرار أزمة السكن التي يتخبطون فيها لسنوات عديدة، في سكنات ضيقة وهشة، أغلبها يعود للعهد الاستعماري، حيث يستنجدون يوميا بالصفحة الرسمية للولاية وعرض شكواهم أمام الآلاف من المتابعين لهم، بدل الاحتجاج وحرق العجلات المطاطية التي باتت من وسائل الضغط عير المجدية في حالاتهم.
وأوضحت العديد من العائلات المتضررة من مختلف البلديات، كما هو الحال لأصحاب الضيق الذين يقيمون ببلدية باش جراح، باب الوادي، محمد بلوزداد، دار البيضاء، تسالة المرجة، وغيرهم من المعنيين الذين لجأوا إلى الموقع الرسمي للولاية، لعرض شكواهم، بدل الاحتجاج الذي لم يعد حسبهم ينفع، أين أشاروا إلى أن أغلبهم يعيش وضعية جد صعبة، في سكنات هشة وضيقة لم تعد تستوعب العدد الكبير لأفراد العائلة الواحدة، الذي ازداد مع مرور الوقت، ناهيك عن هشاشة العديد من السكنات القديمة التي تعود للعهد الاستعماري، موضحين في السياق ذاته أنه وبالرغم من أزمة السكن الحقيقية التي يمرون بها منذ سنوات، غير أنهم لم يجدوا أية التفاتة جادة من السلطات، هذه الأخيرة التي ناشدوها هذه المرة عبر صفحتها من أجل التدخل وإيجاد حل مناسب لهم.
ويعد أصحاب الضيق، الذين نشروا شكواهم عبر موقع الولاية، من بين الآلاف العائلات التي لم تستفد من سكنات اجتماعية ضمن عمليات الترحيل التي مست عدة أحياء قصديرية وهشة بالعاصمة منذ انطلاق “الرحّلة” في 2014، حيث لا تزال تنتظر التفاتة جادة من السلطات لنشر قائمة “الضيق” ومنحها مفاتيح السكنات، التي لطالما حلموا بالظفر بها، لاسيما مع الوعود المتكررة من طرف السلطات الولائية بتخصيص لهم حصة معتبرة من السكنات ضمن عمليات الترحيل التي تقوم بها وتوزيعها عليهم، من أجل التخفيف من أزمة السكن التي يعاني منها هؤلاء، غير أن مشكل السكن ما يزال مطروحا في العديد من البلديات التي امتنعت عن نشر القائمة بالرغم من مرور أكثر من أربع سنوات على منح السلطات 6 آلاف وحدة سكنية لأصحاب الضيق، فيما اكتفت بعض البلديات التي تعد على الأصابع بتوزيعها على مستحقيها.
عاصمة دون قصدير.. الحلم الذي لم يتحقق بعد

تغنت مصالح ولاية الجزائر، بنجاح معركتها في تطهير عاصمة البلد من “البرارك” التي انطلقت منذ أربع سنوات، وإعلانها عن أول عاصمة إفريقية وعربية دون قصدير تزامنا مع حضور وفد من الأمم المتحدة، حين قضت ذات المصالح على 10 إمبراطوريات كانت تشوه وجه “البهجة”، في وقت الواقع يثبت عكس ذلك ودليل ذلك استمرار تمركز القصدير، واستمرار العائلات في التخبط بأزمة السكن التي يبدو أنها لن تنتهي بانتهاء عمليات الترحيل الـــ25.
تصريحات الولاية في وقت سابق، أثارت غضب عديد سكان الأحياء القصديرية المتبقية والتي لم تمسها عمليات الترحيل 25، كحي “المحجر” ببلدية المرسى، عائلات “طاغارا” وأحياء قصديرية أخرى ببئر خادم والحمامات التي لم يتبين لحد الساعة إن كانت مبرمجة للترحيل في المراحل المقبلة من العملية الــ25 التي تحدث عنها الوالي أم لا، وما زاد من استيائهم هو تهميشهم طيلة العمليات الـ 25، وحتى إن كانت مصالح الولاية قد أكدت أن عملية الـــ25 ستتواصل خلال الصائفة، إلى غاية الانتهاء من ترحيل جميع سكان الأحياء القصديرية والهشة وحتى بالنسبة لقاطني الضيق والاحواش، غير أن ذلك لم يشف غليل المعنيين بـــ”الرحّلة” الذين أشاروا إلى أن معاناتهم تزداد يوميا داخل سكنات لا تصلح للعيش الكريم وأن صبرهم قد نفد، كون في كل عملية يأملون برمجتهم غير أن ذلك لا يتحقق.
الأحياء السكنية الجديدة تتحول إلى خراب

بالرغم من مساعي مصالح ولاية الجزائر في تحقيق مشروع العاصمة بدون قصدير إلا أن رائحة “الصفيح” تعود من جديد إلى الأحياء السكنية الجديدة، التي تحولت إلى خراب حقيقي، بعد أن زحف إليها من خلال التجارة الفوضوية ونشر الغسيل على الشرفات ومظاهر أخرى شوهت جمالية تلك الأحياء التي سميت بالخضراء.
ويبدو أن العديد من الأحياء الجديدة، تحوّلت في ظرف قياسي من أجمل الأحياء إلى أسوئها بسبب الفوضى العارمة، إذ أصبحت التجارة الموازية “ديكورا” يطبع الحي الجديد بسبب باعة الخضر والفواكه وكذا الأفرشة، وتحولت الساحات العمومية إلى أسواق فوضوية تسببت في فوضى كبيرة، نتيجة ترك الباعة غير الشرعيين بقايا الكارتون والأكياس البلاستيكية، التي أساءت إلى المنظر العام، حيث اقتربنا من بعض المواطنين الذين أكدوا لنا أنهم مضطرون للشراء من الطاولات لغياب البديل.
وبرّر التجار أنهم بحاجة إلى سوق جوارية، مردفين أن “السوبيرات” لا تلبي حاجياتهم، ما أدى ببعض الباعة إلى عرض سلعهم في الطريق، حيث يباع كل شيء في هذه السوق الفوضوية، موضحين أن المنطقة معزولة، ولا توجد أسواق جوارية قريبة، الأمر الذي دفعهم إلى البيع بطريقة عشوائية، وتحوّل الحي إلى فوضى كبيرة تطبعها القمامة وباقي الفضلات، وهو الأمر الذي رفضه تماما بعض المواطنين، حيث أكدت سيدة كبيرة في السن، أن القمامة تتبع السكان من القصدير إلى الأحياء الجديدة.
وبرر بعض المواطنين في عدد من تلك الأحياء، انتشار الفوضى إلى غياب الرقابة، حيث أثرت الفوضى كثيرا على الحي، وحوّلته إلى ما هو عليه، فضلا عن غياب ثقافة الحفاظ على المحيط، حيث أكدوا في سياق حديثهم، أنهم ملوا من السعي وراء الحفاظ على نظافة الحي، غير أن ذلك لم يجدِ نفعا.
روبورتاج: إسراء. أ