أصبحت مضرب المثل للعديد من الدول… توحد الجزائريين والتفافهم حول ميثاق السلم والمصالحة الوطنية

elmaouid

أحيت الجزائر، نهاية الأسبوع، اليوم العالمي للسلام الذي أصبح له معنى وقيمة منذ أن أُرسيَ ميثاق السلم والمُصالحة الذي وحد الجزائريين وجعلهم يودعون سنين النار.

لمياء بن دعاس

يعتبر السلم والصلح قيمتين حضاريتين مجدتهما الإنسانية منذ فجر التاريخ، وذلك لما لهذه الأخيرة من أهمية كبيرة في حياة الشعوب واستقرارها، فالحروب الضروس التي قامت بين الدول في فترة زمنية معينة وأتت على الأخضر واليابس، كانت نهايتها إشاعة السلم والمصالحة والود بين الشعوب بعد أن خلفت خسائر بشرية ومادية جسيمة.

فالمصالحة والسلم من أشد ضروريات الحياة البشرية، وذلك لما تتيحه للإنسان من العيش في كنف حياة هادئة يسودها الأمن والاستقرار، يشعر هذا الأخير بضمان كرامته وممتلكاته وحريته.

 

الجوع والحرب يهددان استقرار الشعوب

يشهد العالم حاليا صراعات دولية أو طائفية، تهدد الأمن والسلم العالمي الذي تدعو إليه الدول الكبرى، أبت إلا أن تحقق ولو جزءا بسيطا من السلام والحفاظ على أمن الشعوب، وتحقيق الازدهار في جميع الميادين وخاصة تحسين المستوى المعيشي للأفراد في المجتمع، إلا أن ذلك لم يحدث، وهذا نتيجة لعدة عوامل أهمها السباق نحو التسلح، واكتساب أحدث الأسلحة الفتاكة، وكذا المجاعة التي ضربت العديد من الدول الإفريقية على غرار الصومال، ناهيك عن الحروب التي تشهدها معظم الدول العربية، التي أودت بحياة الآلاف، والتي تساهم بدورها في ظهور الأحقاد والتفرقة لتتسع وتشمل مختلف جوانب الحياة، ما يزيد من تهديد الأمن والسلم داخل المناطق.

 

ميثاق السلم وثيقة فريدة في العالم كله

الجزائر، وعلى غرار باقي دول العالم شهدت فترة جد حرجة، فقد عاشت سنوات في ظل اللااستقرار، فمن الاستعمار الفرنسي إلى الإرهاب الذي أتى على الأخضر واليابس، وسلب الشعب الجزائري البسمة والفرحة، وحل محلها الشك والخوف والهلع، فأصبح الوالد يخاف ويحتاط من كل تصرفات ولده والأم كذلك تخشى على ابنها، حيث عاش الشعب الجزائري خلال تلك السنوات الكثير من الأحداث المرعبة، كقتل المدنيين وأناس أبرياء وكذا وجود آلاف المفقودين، بالإضافة إلى الصدمات النفسية

والانهيارات العصبية وتصاعد المشاكل الاجتماعية وعلى رأسها البطالة، وفي ظل كل هذه الأحداث الدامية، جاء السيد عبد العزيز بوتفليقة، ليقرر إعادة الجزائر إلى مجد عهدها الذي عرفت بها منذ القدم، لتتجسد في عدة برامج ومشاريع، هدفها تحسين الأوضاع في الجزائر خاصة الاجتماعية منها، حيث طرح مبادرة الوئام المدني التي ناصرها الجزائريون في استفتاء عام، أظهر من خلاله الشعب الجزائري حبه الكبير للجزائر الأم، ليواصل هذا الأخير بعد ذلك إظهار التحامه والتفافه حول بعضه البعض، وذلك بتصويت شعبي ساحق على “ميثاق السلم والمصالحة الوطنية” في 2005، والذي أريد من خلاله إرساء وتعزيز “التماسك الوطني”، والقضاء على ثقافة الإقصاء، من خلال اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة للحفاظ على شخصية وثقافة الوطنية وترقيتها من خلال إحياء مآثر التاريخ الوطني والنهوض بالجوانب الدينية والثقافية والإنسانية، وكذا ترقية الشخصية الجزائرية وهويتها بمكوناتها الثلاث الإسلام، والعروبة، والأمازيغية ، أو ما يصطلح عليه بثوابت الأمة الجزائرية بإقرار ضرورة إرساء التماسك الوطني ولمّ الشمل. 

فالأحداث المأسوية التي عاشتها الجزائر منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي هددت الوحدة الوطنية التي أحرزتها الجزائر خلال سنوات طويلة من الصراع ضد الاستعمار، غير أن هذا الميثاق أحدث الفرق في جميع المجالات وبترحيب شعبي كبير، وذلك للأهداف التي جاء بها لتوحيد صف الجزائريين، وهذا بتعويض المتضررين من الفتنة، والعفو عن المسلحين على غرار خطورة ما ارتكبوه من أعمال، حيث سمحت بعودة الآلاف إلى عائلاتهم والعيش حياة اجتماعية هادئة، وكذا إعادة إدماجهم اجتماعيا و مهنيا، وطي صفحة الأحداث المأسوية وإعادة الثقة بالمستقبل إلى الناس وإعادتهم إلى الحياة السلمية الخلاقة، حيث أسرع الجزائريون إلى حل مشاكلهم وتضيق المجال أكثر فأكثر أمام القوى الهدامة والإرهابية في الجزائر وخارجها، ما ساعدها على مواصلة مسيرتها نحو السلام والاندماج في عمليات التجديد والإصلاح التي يعيشها العالم قاطبة.

 

المواطن الجزائري يفضل السلام على العنف

عرف الشعب الجزائري بمواقفه الثابتة، وبمآثره الكريمة، ووقوفه مع الحق ونصرته للمظلوم، فعلى الرغم من الأضرار الجسيمة التي تعرض لها خلال “العشرية السوداء”، إلا أنه ظل متمسكا بمبادئ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، هذا ما أكده أغلبية من التقت بهم “الموعد اليومي”، حيث يقول “محمد” صاحب 35 عاما “جميع الجزائريين تضرروا من العشرية السوداء، سواء كان ماديا أو معنويا، حيث كنا نعيش مأساة وطنية” ليضيف قائلا: “الفرق واسع بين ما كنا نعيشه سابقا وما نعيشه حاليا، فعلينا القول الحمد لله، وهذا ما يؤكد على أن الجزائر لازالت بخير، وما زالت البركة في شبابها الذين يصنعون الفرجة والدهشة خاصة في المحافل الدولية”، وفي هذا الصدد يوافقه عبد العزيز صاحب 43 سنة ليضيف قائلا: “على الرغم من المشاكل الاجتماعية التي يعيشها أغلبية الشباب، وما يحدث حاليا في بعض الدول العربية، إلا أن هذا الأخير ظل متمسكا بوحدة وأمن بلاده ، فلا أحد يريد العودة إلى تلك الأيام، التي كانت تستباح فيها الأرواح”، مؤكدا في ذات السياق على أن مصلحة الجزائر وأمنها وسلامها قبل كل شيء، “أمال” التي يفوق سنها الثلاثين سنة هي الأخرى أكدت أن السلام موجود في الجزائر، وهذا ما لم يكن سابقا حيث كانت النساء مثلها يخفن من الخروج من البيت خوفا على أرواحهن، خاصة وأنهن كن مستهدفات أكثر من غيرهن، لتضيف قائلة: ” أصبحنا نخرج في أي وقت ودون خوف أو رعب”، في حين ترى “آسيا” صاحبة 29 سنة أن الجزائريين تناسوا الأحقاد والغل والضغائن مباشرة بعد تصويتهم على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لتضيف ذات المتحدثة قائلة: “لا أحد من الجزائريين يريد الرجوع إلى الوراء، فعلى الرغم من الضغوطات الداخلية التي يعيشها شبابنا من سوء الأحوال الاجتماعية، والبطالة وغيرها من المشاكل الأخرى، والخارجية التي تريد إشعال نار الفتنة داخل الجزائر إلا أنها لم تستطع ذلك، وهذا راجع إلى رغبة الجزائريين في الأمن والسلم والعيش حياة هادئة يملأها الحب والتآزر والأخوة بين أفراده”.

 

ضحايا الإرهاب: نعم للسلام في الجزائر

خلفت العشرية السوداء آلاف المتضررين من الأحداث المأسوية التي عاشتها الجزائر خلال تلك الفترة، الحاجة “الضاوية” واحدة من هؤلاء الضحايا، تقول والحزن في عينيها “فقدت عزيزا في ريعان شبابه، لم يبلغ 26 سنة من عمره، أرسلته ليشتري لنا الحاجيات الضرورية للبيت بالسيارة، لكنه ذهب ولم يعد، تاركا وراءه زوجة وطفلا لم يتعد السنة”، لتضيف قائلة: “فجعي كبير بابني الذي قتل في كمين وضعه الإرهاب” وعن تقبلها لميثاق السلم والمصالحة الوطنية تضيف قائلة: “موت ابني في العشرية السوداء، لم يكن عائقا للتصويت وبقوة بنعم للسلم في الجزائر، فابني راح ولن يعود إلا أن ابنه ما زال حيا، فما عشناه أيام الاستعمار الفرنسي ليس بالشيء الهين ولا القليل، حتى نكون أنانيين وألا نتسامح فيما بيننا، وعلينا ترك الحقد والضغينة جانبا، حتى نعيش حياة هادئة تمنيناها منذ أكثر من خمسين سنة”.

“نعيمة” صاحبة الثامنة والأربعين سنة هي الأخرى تضررت من المأساة الوطنية، مات زوجها في غارة إرهابية، تاركا وراءه أرملة وخمسة أطفال، حيث تقول: “منذ أن توفي زوجي عام 1996 عملت كل ما في جهدي حتى أربي أبنائي تربية صالحة خالية من العنف، والعداوة والبغضاء، وإنما على حب الوطن الذي ليس لنا سواه، وما حدث لنا كان مقدرا ومكتوبا”، لتضيف قائلة: “منحتني الدولة تعويضا ماديا ساعدنا في بناء حياة جديدة لي ولأبنائي، فنعم للسلام داخل الجزائر”، متمنية في ذات الوقت أن يكون رأي كل من تضرر من هذه الأحداث المأساوية كرأيها، معتبرة أنه لتحقيق السلم في الجزائر لابد لنا من المصالحة مع ذواتنا، ونعرف ما هو هدفنا في الحياة وماذا ينتظر منا هذا الوطن، قبل كل شيء لنستطيع تجسيده في الواقع”.