أحيت الجزائر الأسبوع المنصرم اليوم العالمي للسلام ، الذي أصبح لهمعنى وقيمة بالجزائر منذ أن أُرسيَ ميثاق السلم والمُصالحة الذي وحد الجزائريين وجعلهم يطوون سنين الجمر والنار .
يعتبر السلم والصلح قيمتان حضاريتان مجدتهما الإنسانية منذ فجر التاريخ، وذلك لما لهذه الأخيرة من أهمية كبيرة في حياة الشعوب واستقرارها، فالحروب الضروس التي قامت بين الدول في فترة زمنية معينة والتي أتت على الأخضر واليابس، كانت نهايتها إشاعة السلم والمصالحة والود بين الشعوب بعد أن خلفت خسائر بشرية ومادية جسيمة.
فالمصالحة والسلم من أشد ضروريات الحياة البشرية ،وذلك لما تتيحه للإنسان من العيش في كنف حياة هادئة يسودها الأمن والاستقرار، يشعر هذا الأخير بضمان كرامته وممتلكاته وحريته.
الجوع والحرب يهدد استقرار الشعوب.
يشهد العالم حاليا صراعات دولية أوطائفية، تهدد الأمن والسلم العالمي الذي تدعو إليه الدول الكبرى،التي آثرت إلا أن تحقق ولو جزءا بسيطا من السلام و الحفاظ على أمن الشعوب ،وتحقيق الإزدهار في جميع الميادين وخاصة تحسين المستوى المعيشي للأفراد في المجتمع، إلا أن ذلك لم يحدث، وهذا نتيجة لعدة عوامل أهمها السباق نحو التسلح، واكتساب أحدث الأسلحة الفتاكة، وكذا المجاعة التي ضربت بالعديد من الدول الإفريقية ، ناهيك عن الأوضاع الأمنية الغير مستقرة و التي تشهدها معظم الدول العربية، التي أودت بحياة ألاف من الأرواح، والتي تساهم بدورها في ظهور الأحقاد والتفرقة لتتسع وتشمل مختلف جوانب الحياة، ما يزيد من تهديد الأمن والسلم داخل المناطق.
ميثاق السلم وثيقة فريدة في العالم كله.
الجزائر، وعلى غرار باقي دول العالم شهدت فترة جد حرجة، فقد عاشت سنوات في ظل اللااستقرار، فمن الاستعمار الفرنسي إلى الإرهاب الذي أتى على الأخضر واليابس في الطبيعة وأطفأ تلك الشعلة في القلوب، وسلب الشعب الجزائري البسمة والفرحة ، وحل محلها الشك والخوف والهلع فأصبح الوالد يخاف ويحتاط من كل تصرفات ولده و صارت العائلة الواحدة لا يأمن أفرادها لبعضهم ،حيث عاش الشعب الجزائري في هذه السنوات الكثير من الاحداث المرعبة، كقتل المدنيين و أناس أبرياء ،وكذا وجود آلاف من المفقودين، بالإضافة إلى الصدمات النفسية والانهيارات العصبية وتصاعد المشاكل الاجتماعية وعلى رأسها البطالة ،وفي ظل كل هذه الاحداث الدامية جاء الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بمبادرة الوئام المدني التي ناصرها الجزائريون في استفتاء عام، أظهر من خلاله الشعب الجزائري حبه الكبير للجزائر الأم ،ليواصل هذا الأخير بعد ذلك إظهار التحامه والتفافه حول بعضه البعض،وذلك بتصويت شعبي ساحق على” ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ” في التاسع والعشرين من سبتمبر من 2005،والذي أريد من خلاله إرساء و تعزيز ” التماسك الوطني”، والقضاء على ثقافة الإقصاء، من خلال اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة للحفاظ على الشخصية الثقافة الوطنية وترقيتها من خلال إحياء مآثر التاريخ الوطني والنهوض بالجوانب الدينية والثقافية والإنسانية، وكذا ترقية الشخصية الجزائرية وهويتها بمكوناتها الثلاث الإسلام، والعروبة، والأمازيغية ، أوما يصطلح عليه بثوابت الأمة الجزائرية بإقرار ضرورة إرساء التماسك الوطني ولم الشمل.
فالأحداث المأسوية التي عاشتها الجزائر منذ بداية التسعينات من القرن الماضي هددت الوحدة الوطنية التي أحرزتها الجزائر خلال سنوات طويلة من الصراع ضد الاستعمار، غير أن هذا الميثاق أحدث الفرق في جميع المجالات وبترحيب شعبي كبير، وذلك للأهداف التي جاء بها لتوحيد صف الجزائريين، وهذا بتعويض المتضررين من الفتنة، والعفو عن المسلحين على غرار خطورة ما ارتكبوه من أعمال، حيث سمحت بعودة الآلاف الى عائلتهم والعيش حياة اجتماعية هادئة، وكذا إعادة إدماجهم اجتماعيا ومهنيا، وطي صفحة الأحداث المأسوية وإعادة الثقة بالمستقبل إلى الناس وإعادتهم إلى الحياة السلمية الخلاقة ، حيث أسرع الجزائريون الى حل مشاكلهم وتضيق المجال أكثر فأكثر أمام القوى الهدامة والإرهابية في الجزائر وخارجها ،ما ساعدها على مواصلة مسيرتها نحو السلام والاندماج في عمليات التجديد والإصلاح التي يعيشها العالم قاطبة.
المواطن الجزائري يفضل السلام على العنف.
عرف الشعب الجزائري بمواقفه الثابتة، وبمآثره الكريمة، و وقوفه مع الحق ونصرته للمظلوم، فعلى الرغم من الأضرار الجسيمة التي تعرض لها خلال “العشرية السوداء”، إلا أنه ظل متمسكا بمبادئ ميثاق السلم و المصالحة الوطنية، هذا ما أكده أغلبية من التقت بهم “الموعد اليومي” حيث يقول” محمد” صاحب 35 “جميع الجزائريين تضرروا من العشرية السوداء، سواء كان ماديا أو معنويا، حيث كنا نعيش مأساة وطنية” ليضيف قائلا” الفرق واسع بين ما كنا نعيشه سابقا وما نعيشه حاليا، فعلينا القول الحمد لله، وهذا ما يؤكد على أن الجزائر لازالت بخير، ومازالت البركة في شبابها الذين يصنعون الفرجة والدهشة خاصة في المحافل الدولية” وفي هذا الصدد يوافقه عبد العزيز صاحب 43 سنة ليضيف قائلا” على الرغم من المشاكل الاجتماعية التي يعيشها أغلبية الشباب، وما يحدث حاليا في بعض الدول العربية، الى أن هذا الأخير ضل متمسكا بوحدة و امن بلاده ، فلا أحد يريد العودة الى تلك الأيام، التي كانت تستباح فيها الأرواح” مؤكدا في ذات السياق على أن مصلحة الجزائر وأمنها وسلامها قبل كل شيء، “أمال” التي يفوق سنها الثلاثين سنة هي الأخرى أكدت أن السلام موجود في الجزائر، وهذا ما لم يكن سابقا حيث كانت النساء مثلها يخفن من الخروج من البيت خوفا على أرواحهن، خاصة وأنهن كن مستهدفات أكثر من غيرهن، لتضيف قائلة” أصبحنا نخرج في أي وقت ودون خوف أو رعب ” في حين ترى ” آسية” صاحبة 29 أن الجزائريين تناسوا الأحقاد والغل والضغائن مباشرة بعد تصويتهم على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، لتضيف ذات المتحدثة قائلة ” لا أحد من الجزائريين يريد الرجوع الى الوراء ، فعلى الرغم من الضغوطات الداخلية التي يعيشها شبابنا من سوء الأحوال الاجتماعية، والبطالة وغيرها من المشاكل الأخرى، والخارجية التي تريد إشعال نار الفتنة داخل الجزائر الى أنها لم تستطع ذلك، وهذا راجع الى رغبة الجزائريين في الأمن و السلم والعيش حياة هادئة يملأها الحب و التآزر و الأخوة بين أفراده”.
ضحايا الإرهاب نعم للسلام في الجزائر.
خلفت العشرية السوداء ألاف المتضررين من الاحداث المأسوية التي عاشتها الجزائر خلال تلك الفترة، الحاجة” ضاوية” واحدة من هؤلاء الضحايا، تقول والحزن في عينيها” فقدت عزيزا في ريعان شبابه، لم يبلغ 26 سنة من عمره، أرسلته ليشتري لنا الحاجيات الضرورية للبيت بالسيارة، لكنه ذهب ولم يعد، تاركا وراءه زوجة وطفلا لم يتعدى السنة” لتضيف قائلة” فجعي كبير بابني الذي قتل في كمين وضعه الإرهاب” وعن تقبلها لميثاق السلم والمصالحة الوطنية تضيف قائلة” موت ابني في العشرية السوداء، لم يكن عائقا للتصويت وبقوة بنعم للسلم في الجزائر، فابني راح و لن يعد إلا أن ابنه لزال حيا، فما عشناه أيام الاستعمار الفرنسي ليس بالشيء الهين ولا القليل، حتى نكون أنانيين وان لا نتسامح فيما بيننا، وعلينا ترك الحقد والضغينة جانبا، حتى نعيش حياة هادئة والتي تمنيناها منذ أكثر من خمسين سنة”.
“نعيمة” صاحبة الثامنة والأربعين سنة هي الأخرى تضررت من المأساة الوطنية، مات زوجها في غارة إرهابية، تاركا وراءه أرملة وخمسة أطفال، حيث تقول” نعيمة” منذ أن توفي زوجي عام 1996 عملت كل ما في جهدي حتى أربي أبنائي تربية صالحة خالية من العنف، والعداوة والبغضاء ،وإنما على حب الوطن الذي ليس لنا سواه، وما حدث لنا كان مقدرا ومكتوبا” لتضيف قائلة ” منحتني الدولة تعويضا ماديا ساعدنا في بناء حياة جديدة لي ولأبنائي، فنعم للسلام داخل الجزائر ” متمنية في ذات الوقت أن يكون رأي كل من تضرر من هذه الاحداث المأساوية كرأيها، معتبرة انه لتحقيق السلم في الجزائر لابد لنا من المصالحة مع ذواتنا ،ونعرف ما هو هدفنا في الحياة وماذا ينتظر منا هذا الوطن، قبل كل شيء لنستطيع تجسيده في الواقع.
لمياء بن دعاس