جمعية العلماء المسلمين لم تحمل في فكر مشايخها ولا في مبادئها ولا في نضالها غير الثورة وطرد المحتل، ولا يغيب ذلك في كل نصوص وأدبيات جمعية العلماء منذ البدايات وحتى النهايات، فهذا شيخها وشيخنا عبد الحميد بن باديس عليه رحمة الله يقول قبل الثورة بسنين طويلة : “وأنا أقول لكم في هذا اليوم، لم يبق لنا إلاّ أحد الأمرين، لا ثالث لهما: إما الموت أو الشهادة في سبيل الله، منتظرين النصر الذي وعد الله به عباده المؤمنين، أو الاستسلام ومد أيدينا إلى الأغلال، وإحناء رؤوسنا، أمام الأعداء، فتكون النتيجـة لا قدر الله أن تجري علينا، ما جرى ببلاد الأندلس”. ويقول رحمه الله عليه: “أنا أُحارب الاستعمار لأنّي أُعلِّم وأُهذب، فمتى انتشر التعليم والتهذيب في أرض أجدبت على الاستعمار وشعر في النهاية بسوء المصير”، وفي كلمة واضحة وصريحة يقول الشيخ: “إنّ الاستقلال حق طبيعي لكل أمّة من أمم الدنيا، وقد استقلت أمم كانت دوننا في القوة والعلم والمنعة والحضارة وستصبح البلاد الجزائرية مستقلة استقلالاً واسعاً تعتمد عليها فرنسا اعتماد الحر على الجر”.
ونقل عنه أنه قال مرة بصريحة العبارة كلمة في صميم الدعوة إلى الثورة وتواترت هذه العبارات ونقلها الكثيرون: “والله لو وجدتُ عشرة من عقلاء الأمة الجزائرية يوافقوني على إعلان الثورة لأعلنتها”. ومما يظهر عمق الثورة في أبجديات البناء الفكري والوجداني لدى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ذاك النشيد الخالد الذي قاله أحد مشايخ الجمعية محمد العيد آل خليفة، إنه نشيد “من جبالنا طلع صوت الأحرار”، والعجيب أنه قيل سنة 1931م، والذي يقول فيه:
مِنْ جِبَالِنَا طَلَعَ صَوْتُ الْأَحْرَارْ يُنــَــادِيـــنَا لِلْاِسْتــِــقـــْــلَالْ
يُنــَــادِيــنَا لِلْاِسـْـتــِقــْلَالْ لِاســْـتـِـقــْــلاَلِ وَطـْـنـِـنــــَــا
جمعية العلماء طيلة فترات الحركة الوطنية كانت تمثل ضمير الوعي والإصلاح والجمع والتهيئة للشعب الجزائر حتى يتغير حاله ويتهيأ للحظة الحسم من أجل تحقيق حلمه في الانعتاق والنهضة والاستقلال.