تحتفل الجزائر، غدا، وعلى غرار باقي دول العالم، بالعيد العالمي للعمال المصادف للفاتح ماي، ويتميز الاحتفال هذا العام في الجزائر بمعطيات ومؤشرات اقتصادية تنذر بعام أصعب من 2017، إذ تواجه الحكومة الجزائرية
تحديات بدأت تزيد مع دخول الأزمة المالية بالبلاد عامها الرابع على التوالي بسبب تراجع إيرادات النفط، كما تزايدت مخاوف المواطن الجزائري على مستقبل جيبه المنهك من انفلات جديد للأسعار في مختلف السلع خاصة الغذائية.
وإذا كانت الأزمات المالية صداعاً حقيقياً في رأس الحكومة، فإن ما ينتظرها على المستوى الداخلي خاصة في ما يتعلق بواجبات “الدولة” تجاه الشعب، يبقى تحدياً أكبر يحمل أبعاداً اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية، خاصة وأن سنة 2018 ستكون الأخيرة في عهدة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الرئاسية الرابعة، والذي لم يفصل بعد في أمر ترشحه للعهدة الخامسة من عدمه.
هذه هي أبرز المكتسبات التي حققها العمال الجزائريون
هذا، وتحيي الجزائر كغيرها من البلدان هذا العيد لتثمين إنجازات العمال ودورهم الريادي في خدمة البلد ونهضته الصناعية والمعمارية والخدماتية وفي كل المجالات لأنهم أصحاب الإنجاز اللامحدود. هكذا انطلق الاحتفال بعيد العمال لأول مرة، ويعود فضل تأسيس، عيد العمال العالمي لمنظمة فرسان العمل، التي كانت أول من طالب بتحديد ساعات العمل بثماني ساعات وفي عام 1886م، وعلى إثر إضراب الفئة العاملة وشلها للحركة الإنتاجية، خصوصا وأنها كانت تعمل لساعات طويلة تراوحت بين 14 إلى 16 ساعة كل يوم، وتنال بالمقابل أجورا قليلة، وبسبب الاضطهاد الشديد الذي أثار غضبها، أدركت أن الاتحاد والكفاح من خلال تبني الإضرابات، هو الطريقة الوحيدة لنيل ظروف معيشية معقولة، وطرحت شعار الإضراب المتمثل في نظام العمل لثماني ساعات، ليعتبر عيد العمال العالمي أهم عيد شيوعي، ويرى الشيوعيون أنفسهم خط الدفاع الأول عن العمال وشعارهم: يا عمال العالم اتحدوا. وفي عام 1877، بدأ أول إضراب على المستوى الوطني في تاريخ أمريكا، بعد أن نظّم العمال مظاهرة كبيرة واندفعوا إلى الشوارع، وطالبوا الحكومة بتحسين ظروف العمل والعيش، وتقصير دوام العمل إلى ثماني ساعات يوميا، وازداد عدد المتظاهرين والمضربين بسرعة في بضعة أيام، وهو ما اضطر الحكومة الأمريكية تحت هذه الضغوط الكبيرة إلى وضع قانون لتحديد دوام العمل اليومي بثماني ساعات، غير أن بعض أرباب العمل لم يلتزموا بهذا القانون أبدا، بل واصلوا استغلالهم للعمال واستمر العمال يعملون بلا انقطاع ويعيشون حياة صعبة، وفي أكتوبر عام 1884 اجتمعت ثماني نقابات كندية وأمريكية في شيكاغو الأمريكية وقررت الدخول في إضراب شامل كلها في الأول من ماي من عام 1886 لأجل إجبار الرأسماليين على تطبيق قانون العمل لثماني ساعات، وحان هذا اليوم أخيرا، حيث توقّف 350 ألف عامل في أكثر من 20 ألف مصنع أمريكي عن العمل، وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرة ضخمة، وشلت الحركية بهذه المصانع الكبيرة، كما حاولت الحكومة قمع المظاهرة بالقوة، الأمر الذي أشعل نيران كفاح العمال في أنحاء العالم ودخل العمال في أوربا والقارات الأخرى في إضرابات الواحد تلو الآخر، وبعد شهر اضطرت الحكومة الأمريكية إلى تنفيذ قانون العمل لثماني ساعات بفعالية، وفي جوان من عام 1889، افتتح مؤتمر النواب الاشتراكيين الدولي في باريس الفرنسية، وقرّر المؤتمر تحديد الأول من ماي من كل سنة، عيدا مشتركا لجميع البروليتاريين في العالم، وفي هذا اليوم من عام 1890 بادر العمال في أمريكا وأوربا بتسيير مظاهرات كبيرة للاحتفال بنجاح كفاح العمال، ليولد عيد العمال الدولي، ليكون بذلك اختيار هذا التاريخ، تخليداً لذكرى من سقط من العمال والقيادات العمالية.
الإسلام سبّاق للمطالبة بحقوق العمال
ولم يكن فرسان العمل ولا القيادات العمالية ولا مناصريهم من الشيوعيين، السباقين في المطالبة بحقوق العمال وتحديد العلاقة مع أرباب العمل وتحديد ماهية العمل والأجر المناسب، فقد سبقهم الإسلام منذ قرونٍ عدة، حيث دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى احترام العمال وعدم تحميلهم فوق طاقتهم من العمل، وذلك بمد يد العون لهم والمساعدة، وأمر بدفع أجرة العاملين بمجرد الانتهاء من العمل المكلف به ونهى عن التعرض للعمال بالإهانة أو التحقير، حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام : أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه . وقال أيضا: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة منهم.. ورجل استأجر أجيراً فلم يوفه أجره، فهذان الحديثان يؤكدان العناية التامة بالعمال وإعطائهم أجورهم، وفي هذا الخصوص تسابق المشرّعون في سن القوانين وتسطير الأنظمة التي تحمي حقوق العاملين وتحفظ كرامتهم وتحقق لهم ظروف عمل ملائمة.
نصب “الحمال” شاهد على تضحيات العمال في الجزائر
وفي هذا اليوم يتذكر الجزائريون عمال ميناء الجزائر الذين سقطوا في مجزرة نفذها الاستعمار الفرنسي، ويظل النصب التذكاري الذي وضع في ساحة “تافورة” في قلب العاصمة الجزائرية، تخليدا لذكراهم، شاهداً.
ويبقى النصب شاهداً على نضالات الطبقة الكادحة في الجزائر، ومقصداً للمسؤولين والعمال على حد سواء في عيد العمال من كل عام، للاحتفال رمزياً بالذكرى.
بالقرب من واجهة ميناء الجزائر، يخلد تمثال “الحمّال” ضحايا تلك المجزرة، وهو عبارة عن تمثال من البرونز يحكي للجزائريين تفاصيل مقتل 200 عامل من الحمالين في الميناء في فترة الاستعمار الفرنسي.
ويذكر المختص في تاريخ الثورة التحريرية، الدكتور مصطفى بن عزيز أن التمثال هو صورة عن “ضنك العيش وصعوبة المعيشة، وللأسلوب الوحشي الذي اعتمدته السلطات الفرنسية ضد الطبقة الشغيلة بمجرد أن دخلوا في الإضراب للتعبير والتنديد بسوء المعاملة التي عاشوها في مكان عملهم، فضلا عن الأجور المنخفضة التي كانوا يتلقونها نضير عملهم الشاق”.
تمر الآلام والذكرى، لكن التمثال يظل رابضا هناك بالقرب من ميناء الجزائر، يعيد فتح الجرح في عيد العمال من كل عام، عندما رفض العمال وقتها وقبل استقلال الجزائر بشهرين، إفراغ حمولة إحدى البواخر الفرنسية.
يضيف بن عزيز أن العمال استجابوا لنداء جيش التحرير الوطني الشعبي آنذاك، الجناح العسكري لجبهة التحرير التي قادت الثورة التحريرية ورفض الاستبداد، فما كان من الجنود الفرنسيين إلا أن فتحوا نيران رشاشاتهم باتجاه العمال الجزائريين، ليذهبوا ضحايا مجزرة تبقى الأعنف في تاريخ ثورة التحرير الجزائرية.
وأضاف المتحدث أن “معاملة فرنسا لعمال الميناء كانت سيئة جدا، أجور منخفضة وعمل بالساعات دون توقف، فضلا عن عدم تلقيهم العلاج في حالات المرض، وعدم استفادتهم من أيام راحة”، مشيراً بحسرة إلى أنهم كانوا يلقون معاملة لا تصلح للآدميين.
وأوضح أن “التمثال يدل على تلك الظروف القاسية التي عاشها أولئك العمال الذين كانوا يتلقون الفرنكات القليلة مقابل عمل يزيد عن 19 ساعة يوميا، وفي النهاية استقبلت السلطات الفرنسية الاستعمارية مطالبهم بالقتل، فدفعوا الثمن غاليا”.
ويمثل النصب رجلاً بملامح تدل على الشقاء والبؤس، يحمل على ظهره كيساً. وهو عمل للفنان الجزائري محمد بوكرش، دشنه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في العام 2009.
تقرير أمريكي:
عدد العمال في الجزائر سيكون من بين “الأكبر” في العالم آفاق 2035
كشف تحقيق أجرته شركة ماكينزي الأمريكية للاستشارات الإدارية العالمية، أن عدد العمال سيتضاعف في الجزائر بحلول سنة 2035، وسيفوق نظيره في الصين والهند، في ظل اكتساح الشيخوخة القارة العجوز أوروبا، فضلا على أن التصنيع يستحوذ على حصة الأسد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في بلادنا.
وقالت ماكينزي الأمريكية، أن عدد السكان في سن العمل في الجزائر ودول إفريقية أخرى سيكون الأكبر في العالم بحلول عام 2035.
وذكرت الشركة التي يوجد مقرها في نيويورك وتحديدا في تقرير بعنوان “تعميق العلاقات الإفريقيه مع الولايات المتحدة”، أن عدد السكان في سن العمل في إفريقيا سيكون أكبر من نظيره في الصين أو الهند خلال العشرية المقبلة.
وأشار إلى أنه في عالم حيث تكتسح الشيخوخة العديد من البلدان، بما في ذلك الصين، لوحظ أن المهمة التي تنتظرنا ستكون لقادة إفريقيا لتعزيز التعليم وتوفير المهارات للشباب التي يحتاجونها لتأمين فرص العمل وتسريع خلق الوظائف.
وفي عام 2012، كان 29 ٪ فقط من القوى العاملة في إفريقيا مستقرة، بينما يتم توظيف البقية في مجموعة متنوعة من الأعمال الحرة والمشاريع المنزلية أو الوظائف غير الرسمية في المناطق الحضرية.
كما أن العلاقات بين القارة الإفريقية والعالم آخذة في التوسع. وقد بلغت قيمة التدفقات إلى القارة من السلع والخدمات، والتمويل في 2012 ما قيمته 1، 6 تريليون دولار، أو 82 في المائة من الناتج الإجمالي، بارتفاع من حوالي 400 مليار دولار أو 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2000.
وأشار التقرير إلى علامة واضحة على التغير الهيكلي في اقتصادات إفريقيا، مضيفا أن التحول نحو التصنيع والخدمات يحتاج إلى تسارع. وأشار إلى أنه في العديد من الدول الإفريقية، حصة الصناعة التحويلية في الاقتصاد كانت راكدة أو حتى الانخفاض على مدى العقد الماضي، فضلا على أن التصنيع يتلقى بالفعل معظم الاستثمار الأجنبي المباشر في بعض البلدان بما فيها المغرب والجزائروجنوب إفريقيا وموزمبيق ومصر. وجاء في التقرير: “وعلى الاتجاهات الحالية، فإن الصناعة التحويلية لخلق ثمانية ملايين وظيفة بحلول عام 2020، وهو ما يدل على أن الأجور ومستويات الإنتاجية قادرة على المنافسة مع غيرها من مراكز التصنيع منخفضة التكلفة العالمية”.