أدرك لحظات عمرك

أدرك لحظات عمرك

 

قال صلى الله عليه وسلم: “كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها”، وقال الحسن البصري رحمه الله: ما من يومٍ ينشق فجره إلا نادى: يا ابن آدم! أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود فيَّ بعملٍ صالح، فإني لا أعود إلى يوم القيامة.وما الأيام إلا مراحل يقطعها العبد في سفره إلى الله تعالى وإلى الدار الآخرة، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ابن آدم! إنما أنت أيام كلما مضى منك يوم مضى بعضك. وأبلغ من ذلك كله اهتمام الله جل وعلا في القرآن الكريم بالوقت، فأقسم بالعصر والضحى والليل والنهار، وذكر سبحانه إنعامه على عباده بالوقت في سورة النِعم سورة النحل، فقال جل وعلا: ” وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ” النحل: 12، فبين سبحانه عظيم منته على عباده أن سخر لهم هذه الأوقات ليتقربوا فيها إلى الله الواحد القهار ويتذكروا دنو الآجال بانقضاء الليل والنهار، كما قال تعالى ” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ” الفرقان: 62.

يُروى أنّ ملك الموت جاء إلى نوح عليه السلام، فقال: يا أطول النبيين عمرا! كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: “كرجل دخل بيتا له بابان، فقام في وسط البيت هنيهة – القليل من الزمان -، ثم خرج من الباب الآخر. فقد قال صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ”، بل خُصَّت مرحلة الشباب من عمر الإنسان بالسؤال يوم القيامة، قال عليه الصلاة والسلام: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع” وذكر منها: “عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟”. قال ابن عَقِيل الحنبلي رحمه الله: إني لا يحلّ لي أن أضيّع ساعة من عمري، حتى إذا توقّف لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة؛ أعملت فكري في حال راحتي وأنا مُسْتطرِح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطّره. ولهذا خلَّف رحمه الله آثارا عظيمةً ككتاب الفنون الذي قيل عنه: إنه بلغ ثمانمائة مجلدا. حتى قال عنه الذهبي رحمه الله: لم يُؤلَّف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب.