فاز الأديب الجزائري الدكتور أحمد طيباوي بجائزة نجيب محفوظ هذا العام عن روايته «اختفاء السيد لا أحد»، بعد مسيرة حافلة بالجوائز والإشادات النقدية لإبداعاته، وصدر لطيباوي أعمال روائية عدة منها: «المقام العالي» 2011، التي نال عنها جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب، ورواية «موت ناعم» 2014. وحصلت الرواية على إحدى جوائز الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي بالخرطوم في دورتها الرابعة، كما صدر له مجموعة من الأعمال الأخرى منها: «مذكرات من وطن آخر»، و«البياض المتهم بالبراءة»، وغيرها. وفي حواره مع «الجريدة الكويتية» من القاهرة، تحدث طيباوي عن مسيرته وأعماله وجوائزه، وما يشغله من قضايا…
وقال في البداية: “تبعا لتخصصي الدراسي كأستاذ إدارة أعمال بجامعة البليدة، وطبيعة الكتب التي كنت وما زلت أطالعها، فكان كل شيء متوقعا إلا أن أكون روائيا، لكن تلك ولا شك النزعة الذاتية، الحاجة الداخلية التي تدفع صاحبها للبحث عما يناسب موهبته وأدواته، من أشكال التعبير الأدبي والفني، وقد كانت أمي ساردة عظيمة، وفي السماع يؤدي الخيال دوره كاملا، فصناعة الصور والمشاهد مهمة المستمع. بدأت الكتابة في سن متأخرة نسبيا، منتصف العشرينيات، وحتى في مطالعتي، كنت أميل للتاريخ والفلسفة والسياسة والاجتماع. أنظر الآن إلى كل تلك القراءات بإيجابية شديدة، خدمتني في نصوصي، فالكتابة دون تراكم معرفي ورؤية مؤسسة تصبح محض تهويمات وانطباعات شخصية قاصرة، بلا عمق.
وكيف تلقى نبأ الفوز بجائزة نجيب محفوظ وما الرسالة التي أراد أن يوجهها للقارئ من خلال روايته «اختفاء السيد لا أحد» رد باعتزاز: “شعرت بسعادة كبيرة، وقد أمدتني هذه الجائزة بجرعة من الثقة والتقدير لما أكتبه حتى يكون الاستمرار ممكنا بعبء نفسيّ أقل، ولكون الجائزة تحمل اسم نجيب محفوظ فهذا يضعني بلا شك، كما ذكرت، أمام تحدٍ كبير، ولعلّ ذلك مهم، فبعض التحديات قد تدفعنا لكتابة أجمل، وأعمق، وأقرب إلى الاكتمال والنضج اللذين ننشدهما في أعمالنا. وتطرح الرواية سؤالا عما يعنيه حقا أن يكون الإنسان موجودا، أعندما يكون على قيد الحياة في السجلات، شهادة الآخرين على ذلك، أثره الذي يتركه على الناس والأشياء، وعيه هو بوجوده، أم محاولاته المستميتة لإثبات أنه كذلك؟ والهدف منها مراجعة ما يمكن أن نستدل به حقا على وجود الإنسان، وحتمية ذلك الوجود، عن الفشل والانسحاب القسري من حياة ليست على مقاس بداياتنا، ومظاهر الضعف والانكسار، والهروب من المسخ المبرمج. لكن هذا النص يمضي إلى إظهار حالة معاكسة ليطرح الأمر على نحو مغاير، إذ يقرر البطل “السيد لا أحد” لأسباب يقدّر أهميتها أن يتجه إلى أن يكون لا مرئيا، مطموسا، شفافا على نحو ما، ممحو السيرة والأثر. ويحاول اختراع مصير مختلف، أو الاكتفاء بــ”اللا مصير”، وينجح في ذلك أحيانا ويفشل في أخرى”.
وأضاف: “أقول دائما إن الجائزة سلاح ذو حدين، فهي عتبة أولى أو تصدير ابتدائي للكاتب وبالتالي لإبداعه، تتيح له حضورا إعلاميا، حسب صيت الجائزة وشمولها، وفرصة لإلقاء الضوء على تجربته الإبداعية، وهو يسعى إلى تطويرها، لكنها ليست نهاية المطاف، ولا تمثل بأي شكل تأشيرة نجاح أبدي، إذ عليه أن يثبت جدارته بها من خلال عمله على تطوير تجربته وما يصدره للقارئ، وإلا اعتبرت مجرد ضربة حظ أو رمية من غير رام. أما بالنسبة لجائزة نجيب محفوظ فقد ذكرت في خطاب التتويج الذي قرأته بعد إعلان النتيجة أنني أستشعر من الآن ثقل أن أنال جائزة تحمل اسم قامة وقيمة مثل محفوظ، ولعلها تكون تحديا ودافعا جديدا لكتابة أكثر نضجا وعمقا ومتعة”.
وعن تقييمه للساحة الأدبية الجزائرية وهل هناك مدارس أو تيارات فكرية أدبية واضحة وهل نستطيع أن نتحدث عن حركة أدبية متميزة، أجاب طيباوي: “يعرف المشهد الثقافي عندنا مشاكل تتعلق بدور الدولة وكذا الفاعلين فيه، وانفتاح فعالياته على الجمهور العام، والكلام حوله يحتاج إلى فسحة أكبر. لكن بالتركيز على الرواية، ومن ناحية الكم، هناك عدد كبير من الإصدارات الروائية (إذا فرضنا تجاوزا بأن كل ما يصدر يمكن أن يصنف كذلك) أما من ناحية النوع، فالأمر متروك لحكم القارئ… الزمن سيصفي ويظهر الغث من السمين. يحتاج تطور السرد إلى موهبة واجتهاد وعملية نقدية تصاحب ما يكتب وإعلام يهتم بكل ما هو ثقافة حقيقية ويزيد من وعي الإنسان… هذا لا يحدث عندنا، مجرد اجتهادات فردية تبلغ هذه الدرجة أو تلك من النجاح. المنظومة معرقلة أكثر منها مساعدة. لا أنظر لجزء كبير من الإصدارات الحديثة تحت مسمى “الرواية” سوى محاولات لكتابة رواية، تصدير الوهم للقارئ من طرف الناشرين الذين يتقاضون مقابلا لنشر تلك المحاولات الأولية، وكذا اجتهاد من كتبها في تغليطه (القارئ) عبر الفايسبوك، لهما حدود. موجة استغفال الجميع ومحاولة إفساد الذائقة وتسطيح العقول لن تنجح طويلا”.
وتابع موضحا: “الأسماء الجديدة التي صارت معروفة نسبيا صنعت نفسها بنفسها، أقصد أن نجاحاتها فردية أكثر من كونها نتاج منظومة أو حركة أدبية عامة. أما على مستوى المدارس والتيارات الفكرية والأدبية، فتقديري أن ما هو موجود مجرد أفكار مشتتة ومتباينة، وأحيانا حتى متناقضة، لدى الكتّاب، أغلبها يمثل صدى لما هو رائج في الشرق وفي الغرب، وليست اتجاهات فكرية محددة، لها ملامحها وتميّزها الإبداعي”.
ب/ص