أحرار إفريقيا يعترفون بعظمتها

أحرار إفريقيا يعترفون بعظمتها

الجزائر التي خرجت من أبشع حرب مع أكبر قوة استعمارية، وجدت نفسها في قلب فورة تحررية، كانت سببا في اندلاعها ولم يكن في مقدورها التنصل منها، ودعم القائمين بها، ولم يقتصر الدعم على المال والسلاح والدعم السياسي، بل تعداه أيضا إلى تكتيكات الحرب. وأكثر من ذلك، فلم تكن الحركات الثورية في شرق إفريقيا أو غربها وحتى في جنوبها، تستطيع اتخاذ قرار الثورة، ما لم تحظ بدعم السلطة الفتية في الجزائر، حيث تحوّلت إلى أشبه بقاعدة خلفية لها.

حقيقة لم ينكرها الثوري الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا الذي أشاد في مذكراته بالثورة الجزائرية التي قال عنها؛ “الثورة التحررية في الجزائر يستحق أن نتذكرها ونعود إليها”، كما تضمنت الرسائل التي أرسلها إلى زوجته “ويني” الكثير من المقاطع التي افتخر فيها بنضال الجزائريين الشرس لاسترجاع استقلالهم وكرامتهم ضد الاستعمار الإستيطاني العنصري، الذي مارسته فرنسا في ذلك الحين.

ـ موقف غينيا:

اتخذ السيد لومومبا أثناء إدارته للحكومة الكونغولية مواقف هادفة وقوية بجانب حرب التحرير الجزائرية والأفريقية بصفة عامة، ولو على حساب وجوده على رأس الحكومة الكونغولية

كان لدى غينيا قيادة وطنية برئاسة أحمد سيكوتوري، الذي عرف بمواقفه الثابتة ضد الاستعمار وهيمنة القوى الرأسمالية ليس فقط على غينيا، بل على أفريقيا والعالم ككل. وكان سيكوتوري أحد القادة البارزين والقياديين المناوئين للاستعمار، والمطالبين باستقلال وتحرير الشعوب دون قيد أو شرط، ومناصراً لكل الوسائل التي تضمن ذلك بما فيها العمل المسلح حين قال:

.. فنحن مصممون تصميماً راسخاً على تقديم مساعدتنا غير المشروطة للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية من أجل استقرار السلم في الجزائر، حسب الشروط والضمانات التي حددتها الحكومة الجزائرية… ونحن نعلم بصفة واضحة أن موقف الحكومة الفرنسية نحو الرغبات الشرعية للشعب الجزائري؛ سيحدد بشكل أقوى وأوضح موقف الشعب الغيني وحكومته من الحكومة الفرنسية.

ـ موقف الكونغو:

اتخذ السيد لومومبا أثناء إدارته للحكومة الكونغولية مواقف هادفة وقوية بجانب حرب التحرير الجزائرية والأفريقية بصفة عامة، ولو على حساب وجوده على رأس الحكومة الكونغولية، وذلك ما تضمنته مثلاً تأكيدات السيد لومومبا إلى السيد فرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة أثناء لقائه بهذا الأخير 13 أوت 1960م

إن المشكل الجزائري بالنسبة لنا هو مشكل القارة الأفريقية بأكملها، إن أفريقيا لا تحمل أي حقد للرجل الأبيض، وإنما تطالب بحقها في الكرامة والحرية مثل جميع بلدان العالم. إنه لا وجود لجزائر فرنسية في نظرنا، وإنما هناك جزائر وكفى، وهذه الجزائر توجد في القارة الأفريقية. على الغرب اليوم أن يختار: أما أن يقبل بتحرير أفريقيا بأكملها ويعيش معها في ظل الصداقة، وإما أن يرفض صداقة أفريقيا.

موقف غانا:

الرئيس الغاني كوامنكرومة أكد دورياً انسجام مواقف حكومته مع الشعب الغاني، مبرزاً قناعته وتأكيده من حتمية الانتصار الجزائري على فرنسا، في خطابه أمام الدورة الخامسة عشر للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة أكتوبر 1960م، وكرر الرئيس نكرومة وأكد موقف بلاده والمتمثل في: “إن فرنسا لا تستطيع أن تنتصر عسكرياً، والطريق الوحيد للخروج بفرنسا من هذا المأزق هو طريق التفاوض”.

 

موقف مالي:

كانت مالي حكومة وشعباً بقيادة موديبو كابتا داعمة للتحرر الجزائري، وكانت ممراً هاماً لعبور الأسلحة عبر الجنوب الجزائري لتدعيم حرب التحرير الجزائرية، وكانت تنظم مظاهرات شعبية خاصة في المناسبات الوطنية للثورة الجزائرية، منددة بالاستعمار الفرنسي، مؤكدة تضامن الشعب المالي مع معركة تحرير الشعب الجزائري. وقال مندوب مالي في الأمم المتحدة نهاية سبتمبر 1960م: إن حرب الجزائر وحدها كانت سبباً كافياً لحمل الدول الأفريقية على قطع علاقاتها مع فرنسا، إذ أن فرنسا تقود في الجزائر حرباً إبادية.

وبالنسبة إلى مالي لم يكن هدف ونموذج الثورة الجزائرية فقط لتحرير الجزائر، بل لتحرير أفريقيا ككل لأن تضحيات الوطنين الجزائريين بعد تضحيات الوطنين في فيتنام؛ هي السبب في تطور الموجة التحريرية، التي تعدّ جميع الدول الأفريقية مدينة لها بالاستقلال. وساندت حكومة مالي كل مطالب الحكومة الجزائرية المؤقتة في مفاوضات إيفيان، ذلك ما أكده الرئيس موديبو كابتا نفسه في رسالة موجهة إلى السيد فرحات عباس رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة.