الأخلاق النبوية

أجمل البيوت

أجمل البيوت

عندما تفتح صفحات التاريخ النبوي النَّضر، وتُفتِّش في رياض السيرة العطرة، لا تملِك إلَّا أن تمسح عينيك عندما تنهمر اشتياقًا لذلك البيت الجميل والحياة المتواضعة التي ملأت الأرض علمًا وأدَبًا؛ حيث تنتقل عيناك بين أجملِ الحقول زهورًا، وأنفسِ المناجم معادنَ، وأعدلِ العقول حجَّةً، وأحصنِ البيوت عفافًا. ذلك البيت الذي نشأ بمكة بعد زواج مبارك مُوَفَّق جميل، قام على حُبٍّ وإجلال من امرأة ملكت زمام الحياء، وركبت كوكب العِفَّة، وتسوَّرت سوار الأدب، وتجمَّلت آفاقها وأنفاسها بجميل الكَرَم، حتى فاض بحرُها أخلاقًا وفضلًا. لقد تمَّ الزواج بين أعظم زوجين، بين خديجة رضي الله عنها وإمام البشرية صلى الله عليه وسلم، وكان على رغبة من الطرفين. بعد ذلك انهالت غيمةُ البركات، وأكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بذُريَّة طيبة مباركة من ذلك الزواج المبارك، أكرمه بابنين وأربع بنات: “زينب وأم كلثوم وفاطمة ورقية، والابنان هما: القاسم، وعبد الله”، كلهم من خديجة رضي الله عنها وعنهم. والنبي صلى الله عليه وسلم لما رُزِقَ أول بناته سمَّاها زينبَ، وهي بنته الكبرى من باقة تألَّفَتْ من أجمل روضة، لقد كبرَتْ وترعرعت على يد أُمٍّ فاضَتْ حنانًا، وانبلجت حبًّا، كانت حضْنًا نبيلًا في ذلك البيت المبارك، فكل لحظة فيه هي نبض حيوية وكفاح، كل ساعة فيه هي دورة تربوية في جانب الأدب والأخلاق. لقد كانت زينب رضي الله عنها العين الأولى التي تفتحت على تلك القيم، وتربَّت على تلك اليد الموَفَّقة، بين حيطان تنبع مودَّة وتشعُّ رحمةً. وبعد أن بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم، كانت زينب مِنْ أول الداخلين في الإسلام؛ لكنْ زوجُها لم يستجبْ، ولم تجد منه أذًى مطلقًا؛ بل لا يكِنُّ لها إلا الحب والوفاء.