أثر العقيدة الصحيحة على حياة المسلم

أثر العقيدة الصحيحة على حياة المسلم

 

إن العقيدة التي أرسى النبي قواعدها، وثبَّت أصولها هي مصدر الخيرات ومنبع السعادة والمسرات، وذلك لمن رعاها حق رعايتها، واتبع هداها، والتزم بمقتضاها، ” قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا “. هي الشجرة الطيبة، يانعة الثمار، دائمة الأكل، مهما امتد الزمان واحتدّ الصراع، وعسر الطريق وعظمت الخطوب، ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ” إبراهيم: 24. العقيدة الصافية ذخيرة الخير لبني الإنسان، بدونها تلتوي عليهم السبل، وتكتنفهم الهواجس، ويستبدّ بهم القلق، ويتيهون في غمار الحيرة والضياع والخسار، ” وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ” العصر: 1 – 3. فالعقيدة الإيمانية التي جاء بها نبينا محمد رافد دائم ومدد قوي لتيار الخير والصلاح، وبذل المعروف ونفع الناس وتفرقة الكرب بل هي حاجز منيع لصدّ دواعي الشر وطغيانه المدمر، صاحبها لا يزلّ عن مسلك قويم ومنهج مستقيم، ولا تحيط به جواذب الأهواء، أو تستبدّ به زخارف الحياة ومغرياتها، ” فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ “.

الإيمان الصحيح يزود العبد بطاقة كبيرة من اليقين والثقة، وشحنة عظيمة من الصبر والطمأنينة، تأتيه النعم فلا يبطر ولا يستكبر، بل يحمد ويشكر، وتصيبه المحن، وتحلّ به الشدائد، فلا يقنط ولا ينهار، أو تمزق قلبه الهموم والحسرات، بل يعتصم بالصبر، ويرضى بالقدر، ويستمسك بعزائم الأمور، لأنه يعيش بعقيدته في عطاء دائم، وفق وضوح رؤية، وقوة إدراك وإرادة، ونفوذ بصيرة، يستمد من خلال ذلك قوة الصمود إزاء الأحداث والفتن، فلا تهزّه أعاصيره العاتية، ولا تنال منه محنه القاسية، ولا يصرفه شيء عن إيمانه وتحقيق رضا ربه، مهما كانت من رغبة مغرية، أو رهبة مؤذية، بل لا تزيده إلا ألقـًا وصفاءً، وإخلاصاً وصدقاً، وصبراً وثباتاً يقول صلى الله عليه وسلم: “عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له” رواه مسلم. إن الأمة التي تحكمها عقيدة التوحيد، وتضبط حياتها حقائق الإيمان ومقوماته، أمةٌ ذات قوة ذاتية وحصانة طبيعية، تجعلها قادرةً بإذن الله على التغلب على نتائج المحن، وآثار الأزمات، وموجات الفتن. فمن خصائص هذه الأمةِ: المناعة المتحققة في كيانها، والتي تحول دون المصائب أن تزعزع ثقتها بربها، والتي تحجز دون نشر ضباب اليأس أن يدبّ في نفوس أبنائها، فهي أمة مرّ بها ويمر بها عبر تأريخها الطويل أيام عصيبة ونكبات شتى، لو أصابت أمةً غيرها لقضت عليها، وأبادتها وجعلتها أثراً بعد عين، لكنها أمة رباها محمد ، مرتبطة بربها، واثقة بوعده، مستيقنة بنصره، ” وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ” النور: 55. إنه لا مخرج للأمة الإسلامية من كل ما تعانيه إلا بالرجوع الصادق إلى الله جل وعلا، والتمسك الحقيقي بسنة نبيها ، والصدق الظاهر والباطن لدينها، لا منقذ إلا التوجه النابع من القلب لمحبة الله جل وعلا، ومحبة رسوله ، محبةً توجب الوقوف عند الأوامر، والانزجار عن النواهي، وفي جميع شؤون الحياة كلها، صغيرها وكبيرها.