ولد بقرية “رأس الوادي ” بناحية مدينة سطيف بالشرق الجزائري في ١٤ يونيو عام ١٨٨٩، وفي بيت أسس على التقوى، من بيوتات العلم والدين، وقد أتم حفظ القرآن الكريم على يد عمه الشيخ المكي الإبراهيمي الذي اكتشف مواهبه المبكرة، وكان لها الفضل الأكبر في تربيته وتكوينه، حتى جعل منه ساعده الأيمن في تعليم الطلبة. هاجر الشيخ السعدي الإبراهيمي إلى المدينة المنورة عام ١٩٠٨، هروبا من ويلات الاستعمار الفرنسي، ولحق به محمد عام ١٩١١، تأكيدا للتفاعل بين المشرق والمغرب، مرورا بمصر التي أقام بها ثلاثة أشهر، التقى خلالها بعدد من علمائها وأدبائها وشعرائها، وحضر بعض دروس العلم في الأزهر، وعندما استقر بالمدينة المنورة، درس فيها على كبار علمائها- الوافدين من كل أنحاء العالم الإسلامي- علوم التفسير والحديث، والفقه، والتراجم، وأنساب العرب، وأدبهم، ودواوينهم، كما درس علم المنطق والحكمة المشرقية، وأمهات كتب اللغة والأدب، ثم أصبح يلقي الدروس للطلبة في الحرم النبوي، ويقضي أوقات فراغه في المكتبات العامة والخاصة باحثا عن المخطوطات. والتقى خلال إقامته بالمدينة المنورة، في موسم الحج عام ١٩١٣، بالإمام عبد الحميد ابن باديس، وما من شك في أن تلك اللقاءات شهدت ميلاد فكرة تأسيس جمعية العلماء. وفي سنة ١٩١٧، انتقل الإبراهيمي إلى دمشق، حيث دعته حكومتها لتدريس الآداب العربية بالمدرسة السلطانية “مكتب عنبر” وهي المدرسة العصرية الوحيدة آنذاك، بالإضافة إلى إلقاء دروس في الوعظ والإرشاد في الجامع الأموي، وقد تخرج على يديه جيل من المثقفين كان لهم أثر بالغ في النهضة العربية الحديثة. من الأماكن التي كانت لها مكانة خاصة في قلب الوالد- بعد مسقط رأسه- المدينة المنورة، وكان رحمه الله يحثني بعد الاستقرار على قضاء شهر رمضان بالمدينة، لما للمكان من بعد روحي، ولسكانها من خلق وطيبة، ومدينة دمشق التي تزوج فيها بوالدتي رفيقة العمر رحمها الله رحمة واسعة، ودفن فيها والده وحماه وابنه.
من كتاب -أثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي-