والحقيقة إن الإبراهيمي كان عظيمًا بعقله ووجدانه، بقلبه ولسانه، فكل من تقلب في أعطافه نال من ألطافه، فالقريب والرفيق والسائل والمحروم والمريد والتلميذ يجد فيه الأب الشفيق والأخ الصديق، الذي لا يبخل بجهده وجاهه وماله- وإن قل- لتفريج الكروب وتهوين الخطوب، وما تقربت منه إلا ملك قلبك بحلمه، وغمر نفسك بكرمه، قبل أن يشغل عقلك بعلمه، ويسحر لبّك بقلمه، وكانت الخصال البارزة فيه الإيثار والحلم والوفاء. وفي تحديد هذه الشخصية يقول أحد رفاقه، الأستاذ أحمد توفيق المدني – رحمه الله- عندما تبوأ كرسيه في مجمع اللغة العربية بالقاهرة ” فتقدم الإبراهيمي الأمين يحمل الراية باليمين، لا يأبه للمكائد ولا للسجون ولا يبالي بالمنافي في الفيافي، بل دخل المعمعة بقلب أسد وفكر أسدّ، ووضع في ميزان القوى المتشاكسة يومئذ تدك الصفات التي أودعها الله فيه: علمًا غزيرًا فيّاضًا متعدد النواحي، عميق الجذور. وإطلاعًا واسعًا عريضًا يُخيّل إليك أن معلومات الدنيا قد جُمِعَت عنده. وحافظة نادرة عزّ نظيرها. وفصاحة في اللسان، وروعة في البيان، وإلمام شامل بلغة العرب، لا تخفى عليه منها خافية، وملكة في التعبير مدهشة، جعلته يستطيع معالجة أي موضوع ارتجالًا على البديهة، إما نثرًا أو نظمًا …ودراية كاملة بجميع ما في الوطن الجزائري، كل ذلك قد توّج بإيمان صادق، وعزيمة لا تلين، وذهن جبّار، منظّم، يخطط عن وعي، وينفّذ عن حكمة، وقوة دائبة على العمل، لا تعرف الكلل ولا الملل. هذا هو البطل الذي اندفعنا تحت قيادته الموفقة الملهمة نخوض معركة الحياة التي أعادت لشعبنا بعد كفاح طويل لسانه الفصيح، ودينه الصحيح، وقوميته الواعية الهادفة”. وتتجلى شخصية الإبراهيمي كذلك في ثقافته، إذ لم يكن عالما بالمعنى المعروف عن معظم علماء الدين التقليديين، بل كان عالما شاملا تعمق في كثير من فنون العلم والمعرفة، بالإضافة إلى علوم الدين، توّج ذلك كله ذكاؤه وموهبته الخارقة في سرعة الاستيعاب والاستنباط والاجتهاد، وتوظيف ذلك كله لخدمة الإسلام والوطن والأمة، مما أهّله لتَبَوُّإِ سدة الريادة والقيادة.
من كتاب -أثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي-