في عام 1931، تأسست جمعية العلماء فأدرج الإبراهيمي مشروعه النهضوي في القانون الأساسي للجمعية الذي حرره في نفس السنة، وفي نص أساسي صدر به سجل مؤتمر جمعية العلماء سنة 1935 والذي شرح فيه أسباب تأخر المسلمين وتقدم غيرهم، والذي حدد فيه شروط النهضة الجزائرية التي – أكد من جديد- أنها يجب أن تقوم على الإسلام: “أي شباب الإسلام، إن الأوطان تجمع الأبدان، وإن اللغات تجمع الألسنة، وإنما الذي يجمع الأرواح ويؤلفها، ويصل بين نكرات القلوب فيعرفها فهو الدين، فلا تلتمسوا الوحدة في الآفاق الضيقة، ولكن التمسوها في الدين، والتمسوها من القرآن تجدوا الأفق أوسع، والدار أجمع، والعديد أكثر، والقوى أوفر”. ثم حذر من المشروع التغريبي، وحدد موقفا واضحا وصارما من الاستعمار والتبشير والاستشراق والإلحاد، والبدع والخرافات والأمية التي تمهد كلها لغزو المشروع التغريبي، وتقف في نفس الوقت عائقا دون تحقيق المشروع الإسلامي. ويؤكد الإبراهيمي أن العلوم العصرية – التي هي إحدى الدعائم لإنجاز مشروعه النهضوي- يجب أن ننهل منها بدون عقدة، لأن الحضارة “هي في الحقيقة تراث إنساني تسلّمه أمة إلى أمّة، وتأخذه أمة عن أمة فتزيد فيه أو تنقص منه بحسب ما يتهيّأ لها من وسائل وما يؤثر فيها من عوامل … وقد أصبح احتكار المدنية لأمم خاصة تقليدًا شائعا متعاصيا عن التمحيص والنقد، ومن هذا الباب احتكار الغربيين للمدنية القائمة اليوم، وما هي في الحقيقة إلا عصارة الحضارات القديمة ورثها الغربيون عمن تقدمهم، وقاموا عليها بالتزيين والتحسين والتلوين، وطبعوها بالطوابع التي اقتضاها الوقت، وانتحلوها لأنفسهم أصلا وفرعا، ولا تزال التنقيبات عن مخلفات الحضارات القديمة تكشف كل يوم عن جديد يفضح هؤلاء المحتكرين ويقلل من غرورهم. والمثقفون – في نظر الإبراهيمي- هم المسؤولون عن إنجاز مشروعه النهضوي. لقد طبَّق الإبراهيمي مشروعه النهضوي في حياته؛ إذ لقَّن العلم والدين والأخلاق كمدرس بالمدينة المنورة ودمشق في العقد الثاني من هذا القرن الميلادي، ثم كمدرس بمدينة سطيف في العقد الثالث، ثم كمدرس بمدينة تلمسان في العقد الرابع، ثم كزعيم حركة دينية وثقافية عظيمة بالقطر الجزائري في العقد الخامس، أما أهمية الاقتصاد والمال فلم يهملها فحث أنصاره وتلامذته على الاهتمام بهذا الجانب – خاصة بشراء ما أمكن من الأراضي الزراعية عن المعمرين، وهي أراضي كانت سلبت من أجدادنا، وبإنشاء تعاونيات بين التجار والحرفيين- واستطاع في الأربعينات أن يدفع تجار القطر الجزائري الكبار إلى إنشاء شركة كبيرة تواجه الاحتكارات الاستعمارية آنذاك .
من كتاب -أثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي-