في سنة 1920 – بعد الرحلة المشرقية الأولى التي دامت قرابة عشر سنوات، والتي أقام فيها بالمدينة المنورة ودمشق وزار القاهرة في مستهلها، وتونس في ختامها – عاد الإبراهيمي إلى وطنه، ووجده كما تركه- يئن تحت وطأة الاستعمار والجهل والفقر والتخلف، وفي ذهنه مشروع نهضوي يدخل الأمة الإسلامية في دائرة التقدم والتحديث، وينطلق من الإسلام، علاجا لكل أمراض المجتمع، شريطة أن تستعمل الأسلحة الثلاثة في المعركة: العقل والعلم والعدل. وقبل أن تستوفى الشروط لقيام حركة تشمل القطر، استقر بمدينة سطيف، وبدأ يطبق مشروعه بإنشاء مدرسة ومسجد، وحافظ على استقلاله بممارسة التجارة ورفض الوظيف، هذا على الصعيد العملي، أما على الصعيد النظري فألقى – سنة 1929 – محاضرة بعاصمة الجزائر تحت عنوان: “التعاون الاجتماعي” حدد فيها معالم مشروعه النهضوي في إطار النسق الإسلامي والذي يقوم على أعمدة أربعة: الدين والعلم والأخلاق والإقتصاد.
– الدين: … إنه دين الفطرة، ولا يرجع في أحكامه إلا إلى النص القطعي من كتاب محكم أو سنة قولية أو عملية متواترة، وأن كل ما ألصق بالدين من المحدثات فهو بدعة يجب اعتبارها ليست من الدين وإن تراءت في صورة ما يقتضيه الدين.”.
– العلم: … البحث في أنواع العلوم التي تصلح لنهضتنا، فهو معدود من لغو الحديث، واحتياج الحي إلى العلم في هذا الزمن أصبح قرين احتياجه إلى الطعام”.
– الأخلاق: ولنا أساسٌ نبني عليه، ولا يعسر جد العسر إحياؤه هو الأخلاق الإسلامية المتوارثة، والتي نجد معظمها في القرآن في أوضح عبارة وأوضح بيان، ثم الأخلاق العربية المأخوذة من آدابهم التي هي أنفس ما خلفوه لنا من التراث”.
– الاقتصاد: إن سوق المال اليوم معترك أبطال، وإن في جوانبه رماة ونحن الهدف، وإن مكان المال من الحياة مكان الوريد من البدن، وإن الزمان دار دورته، وقضى الله أن يصبح المال والعلم سلاحين لا يطمع طامع في الحياة بدونهما … والذي تقتضيه الحكمة الهادئة لنحفظ أنفسنا من هذه المزاحمة المريعة هو تأسيس شركات التعاونيين الفلاحين وبين التجار لتقي الصغار من الجانبين شرَّ تحكم الأجانب في أملاكهم ومجهوداتهم، ثم تأسيس مصارف مالية صغيرة تكون واسطة بين الجميع وتكون مع ذلك مستودعا للأموال المخزونة المعطلة ومرجعا لصناديق التوفير والاحتياط التي يجب أن تصحب هذه الحركة”. هذا المشروع النهضوي الذي حدد معالمه الإبراهيمي عام 1929 ينطلق من وعي كامل أن الجزائر تنتمي إلى الحضارة الإسلامية، وأن في كل حضارة ثابتا ومتحولا، وأن المحافظة على الثابت هو حفظ للشخصية الوطنية من الاستلاب.
من كتاب -أثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي-