إذا عرف العاقل مغبة الطلاق، وأثره على الزوجين والأولاد؛ اجتنب أسبابه، وسعى في تضييق طرقه، وتقليص فرصه، وذلك يكون قبل الزواج وأثناءه وبعده:
أما قبل الزواج: فبالاختيار الحسن للزوجة، وقبول البنت بالزوج المناسب لها، والمعيار الأول لذلك هو الاستقامة على أمر الله تعالى؛ لأن من خاف الله تعالى رعى الحقوق والواجبات، وجانب الظلم والأذى؛ والخطاب النبوي للأزواج “فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ” وفي حديث آخر “الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتاعهَا المَرْأَةُ الصَّالحةُ” والخطاب للبنات وأوليائهن “إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ”. والمراد بالاستقامة المحافظة على الدين باطنا وظاهرا، وإلا فكم من شخص ظاهره الصلاح يحمل قلب شيطان؛ فلا يخاف الله تعالى، ولا يقوم بحقوقه سبحانه وبحقوق خلقه، ويُعرف حال الشخص بسؤال الثقات المخالطين له، وكثرة الدعاء والاستخارة. وكم من فتاة غرها وسامة شخص أو ماله أو منصبه عاشت معه عذابا لا يطاق، وما تمتعت بجماله ولا ماله ولا جاهه! وكم من زوج قدم في اختياره على الدين غيره، فكان زواجه نقمة. وكلما تقارب مستوى الزوج والزوجة من جهة الغنى والتعليم، والمكانة الاجتماعية؛ كان ذلك أدعى لاستمرار الزواج.
وأما أثناء الإعداد للزواج: فبتقليل الصداق والنفقات، والاقتصاد في الولائم والحفلات. وكلما اقتصد في التكاليف والرسوم أحاطت البركة بالزواج، وكان أدعى للألفة بين الزوجين؛ لأن الزوج يشعر بفضل أهل زوجته عليه، فيكرمهم في ابنتهم. وأصل ذلك حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ “إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا…” رواه أحمد. وفي حديث آخر قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “خَيْرُ النِّكَاحِ أَيْسَرُهُ”. وإذا كان العرس يُمنًا وخيرا وبركة بسبب تقليل نفقاته، والعناية بأسباب نجاحه، والبعد عن المباهاة والمفاخرة فيه؛ عاد يمنه وخيره وبركته على الزوج والزوجة وأسرتيهما، وعلى المجتمع كله بتكوين أسرة صالحة.
وأما بعد الزواج: فبمعرفة الزوج حقوق زوجته عليه فيؤديها، ويعلمها حقوقه عليها. وبعض الرجال يطلب منها حقوقه، ولا يؤدي لها حقوقها. ويحتاج الزوجان إلى مدة ليفهم كل واحد منهما صاحبه، ولا بدّ في هذه المدة من الصبر والتحمل، والأصل في ذلك أمر الله تعالى “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ” النساء:19″. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم “اسْتوْصُوا بِالنِّساءِ خيْراً، فإِنَّ المرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوجَ مَا في الضِّلعِ أَعْلاهُ، فَإِنْ ذَهبتَ تُقِيمُهُ كَسرْتَهُ، وإِنْ تركتَهُ لمْ يزلْ أَعوجَ، فاستوْصُوا بِالنِّسَاءِ” متفق عليه. وعلى كل من الزوجين إن رأى في صاحبه سوء أن يمحوه بما فيه من حسن، فرؤية الحسن تمحو القبيح، وقد قالَ النبي صلى الله عليه وسلم “لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِه مِنها خُلقاً رضِيَ مِنْها آخَرَ” رواه مسلم. إن نسب الطلاق تزداد بشكل مخيف جدا، وإحصائيات تدل على زيادة كبيرة في نسب الطلاق، مما كان سببا في تخوف كثير من الفتيات من عاقبة الزواج، وتفضيل العنوسة على تجربة تنتهي بالطلاق؛ ولذا فإنه لا بد أن يتداعى عقلاء الناس ووجهاؤهم وعلماؤهم وأهل المعرفة منهم لدراسة هذه الظاهرة التي تنذر بعواقب وخيمة، ونتائج أليمة، وبحث أسبابها، وطرق علاجها، والانطلاق في كل خطوات العلاج من شرع الله تعالى، فالله تعالى أعلم بالعباد وبما يصلحهم.
من موقع شبكة الألوكة