إن مما أوقع الناس فيما وقعوا فيه من معاص وفتن، ومصائب ومحن وضعف في الدين الجهل الذي هو أكبر عدو للعبد، وصدق من قال: “يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه”. فالعبد عندما يكون جاهلا بأمور دينه ودنياه لا يمكن أن يتصرف تصرفا صحيحا، ولا يمكن كذلك أن يعرف مواطن الخلل والزلل، فهو في هذه الحالة يتصرف حسبما يملي عليه هواه ونفسه الأمارة بالسوء. إن الجهل داء خطير ومرض عضال، إذا أصاب العبد كان صاحبه على خطر عظيم، وعلى شفير هاوية، وإن لم يتدارك نفسه ونور عقله بالعلم النافع كان صاحبه في عداد الهلكى والموتى الأحياء، فالجاهل طريقه مظلم ومستقبله غامض، ولا يرجى من ورائه أمل، والجاهل قد يكون يقرأ ويكتب ويفهم الخطاب، وربما يحسن اللغات الأجنبية الأخرى، لكنه جاهل، تصرفاته وتحركاته وطريقة كلامه طريقة إنسان جاهل؛ ولهذا جاء ديننا يحثنا على طلب العلم النافع الذي ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة ففي الحديث: “من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع”.
وأول ما نزل من القرآن دعوة إلى التعلم: ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ” العلق: 1، 2. وروي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: “تعلموا العلم، فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلم صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، والأنيس في الوحشة، والصاحب في الخلوة، والدليل على السراء والضراء”. وقد كثرت مظاهر الجهل في وقتنا الحاضر، و من مظاهر الجهل التي عمت في حاضرنا هجر القرآن والسنة، تجد عموم الناس هاجري القرآن والسنة، لا قراءة ولا تدبر ولا تأمل في صفحات المصحف، ولا تطبيق لأحكامه، بل أصبح القرآن زينة معلقة في الجدران والسيارات مع أن القرآن الكريم كان هو سر نجاح وفوز الأولين من الصحابة والتابعين والرجال المخلصين والفاتحين. ومن مظاهر الجهل تضييع المسؤوليات، ترى العبد الآن يتقلد المسؤوليات العظام ثم تراه بعد ذلك قد ضيعها وضيع معها حقوق الناس، وتراه إنسانا عاديا غير خائف ولا وجل، وكأنه قد قدم خدمات جليلة لمجتمعه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ما من عبد يسترعيه الله رعيه ثم يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة”. ومن مظاهر الجهل انقلاب الموازين والمقاييس عند الناس، صار الكذاب هو الصادق، والصادق هو الكذاب، والأمين هو الخائن، والخائن هو المؤتمن، والعابد الورع التقي هو المغفل الذي لا يعرف شيئا ولا يعرف مصالحه، والعبد المضيع للحقوق والواجبات والمتجاوز لحدود الله والمنتهك لحرمات الله هو الحاذق والشاطر وهو الرجل الشهم. ومن مظاهر الجهل التنافس الشديد على زخارف الدنيا، حتى افتتن الناس وأصبح تفكيرهم هو الدنيا: ماذا يلبسون؟ وماذا يأكلون؟ وغيرها من متع الدنيا، ولم يسألوا أنفسهم يوما: كيف الإقبال على الله؟ وما هو الزاد الذي سنرحل به؟ وماذا قدمنا لآخرتنا؟. ومن مظاهر الجهل تضييع الأوقات والساعات والأيام فيما لا فائدة فيه، الزمن يتسارع والأوقات تمر والعبد في غفلة، وسيتحسر المؤمن على لحظات لم يغتنمها في طاعة الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وسيسأل العبد عن عمره: فيم أفناه؟ وعن شبابه: فيم أبلاه؟
من موقع شبكة الألوكة الإسلامي