إنَّ التأمُّل في قصة موسى والخضر عليهما السلام الوارد ذكرُها في سورة الكهف، والتدبُّر في مجريات أحداثها، وما حفلت به من دلالات وإشارات قويَّة تتعلَّق أساسًا بموضوع التعلُّم يُمكن أن يوصل إلى استنباط أهمِّ المبادئ والأسس التي يمكن أن نشيِّد عليها صَرْحَ تعليمنا، ونتخذها لَبِناتٍ أساسيَّةً في كلِّ فعل تربويٍّ نروم من خلاله تحقيقَ الجودة وإعداد متعلِّمين سمتهم الأساسيَّة الجد والمثابرة، وفيما يلي بيان لأهمِّ هذه المبادئ كما نَطَقَت بها الآيات الكريمات:
– التضحية في سبيل التعلُّم: ذلك أنَّ موسى عليه السلام تَرَكَ أهلَه وأصحابَه وبلدَه، وخرَج طالبًا للعلم إلى وجهة لا يعلمها إلا علَّام الغيوب سبحانه وتعالى، مستعدًّا لضرب أكباد الإبل، وتحمُّل جميعِ أنواع المشاق في سبيل التعلُّم.
– الحاجة إلى المعين: ذلك أنَّ موسى عليه السلام عندما عزم على الخروج لطلب العلم اختار فتى ليرافقه يقال: إنه يُوشع بن نون، والذي كانت وظيفتُه حَمْلَ الزاد، وإعداد الأكل، وما إلى ذلك من الأمور التي إذا ما قام بها طالبُ العلم بنفسه ربما فوَّتت عليه أوقاتًا ثمينةً للتعلُّم.
– الرغبة الجامحة في التعلُّم: ذلك أنَّ موسى عليه السلام رغم مكانته العالية وعلمه وتأييده بالوحي من الله عز وجل؛ فإنه امتثل لتوجيه ربِّه تعالى، وخرج باحثًا عن الرجل “الخضر” الذي سيتعلَّم على يديه، وكله لهفة وشوق للعثور عليه، وهو ما تحقَّق عند الصخرة؛ حيث فُقِد الحوتُ ليُبادر بمجرَّد العثور عليه إلى تقديم طلبه قائلًا: ” هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ” الكهف: 66، مؤكدًا على رغبته ولهفته: ” قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ” الكهف: 69.
– التواضع: فموسى عليه السلام عندما التقى بالخضر لم يقل له بعبارة فجَّة: أنا موسى نبيٌّ في بني إسرائيل، وقد بعثني الله إليك لتعلِّمني فعلِّمْني! كلَّا، لم يقل ذلك، وإنما طلب ذلك بلطفٍ ولين في تواضعٍ تامٍّ قائلًا: ” هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ” الكهف: 66.