تؤكد الدراسات تلوى الأخرى تأثير التكنولوجيا على النشاط الذهني للمستخدم، وتشير النتائج دائما إلى التأثير السلبي للتعلق المستمر بالهواتف الذكية التي باتت لا تفارقنا في أي مكان نتوجه إليه.
يرى الافتراض السائد أن الهواتف الذكية والكومبيوترات اللوحية كلها دليل تقدمّ، وهو افتراض صحيح من بعض النواحي. فإن استخدام محرك البحث العملاق غوغل باعتدال يفيد الدماغ وهناك تطبيقات يمكن أن تقوي نشاط المخ وعمله.
ولكن المنجزات التكنولوجية تقترن بنتائج سلبية غير مقصودة أيضا. وفي كتاب المؤلف نيكولاس كار الذي رُشح لجائزة بوليتزر واستعرضه موقع هافنغتون بوست، يقول عالم الأعصاب مايكل مرزنيك إن التكنولوجيا تعيد برمجة عقولنا على نطاق هائل محذرا من أن آثارها على الذكاء البشري يمكن أن تكون “قاتلة”.
وفيما يلي بعض النتائج الضارة لاستخدام التكنولوجيا الحديثة في حياتنا كما جاءت في الكتاب.
ـ التكنولوجيا تقض مضاجعنا وتحرمنا من النوم
أظهرت دراسات أن الضوء الأزرق المنبعث من الأجهزة الإلكترونية الحديثة مثل الهواتف الذكية والكومبيوترات اللوحية والمحمولة يمكن أن يمنع الجسم من إفراز هرمون الميلاتونين الذي يقوم بدور حاسم في ضبط ساعتنا البيولوجية وينبه الجسم إلى حلول الظلام قائلا له متى يشعر بالنعاس، فالضوء الأزرق يمكن أن يعطل هذه العملية ويجعل من المتعذر الالتزام بمواقيت النوم الصحيحة. ولقلة النوم أو عدم انتظامه آثار سلبية متعددة على الدماغ.
ـ سهولة الانشغال بأشياء أخرى على حساب العمل الرئيسي
تجعل التكنولوجيا من السهل جدا الانصراف إلى أشياء ثانوية سواء كانت إيقاف العمل على مشروع مهم لإلقاء نظرة على الهاتف الذكي وما قد يحويه من رسائل أو اتصالات، أو التنقل بين أزرار التصفح دون تركيز على شيء محدد، وثبت أن التنقل بين واجبات مختلفة في آن واحد لا يجدي نفعا بل تكون النتيجة أداء الواجبات كلها أداء قاصرا وهزيلا. ويكون المراهقون بصفة خاصة أكثر انشغالا من الفئات العمرية الأخرى.
ـ ضآلة ما يمكن أن تتذكره
أن تدخل التكنولوجيا في ما تفعله أيا يكن يجعل بناء ذاكرة جديدة أشد صعوبة، وكما يقول الكاتب نيكولاس كار فإن هناك نوعين من الذاكرة، ذاكرة عاملة آنية وذاكرة طويلة الأمد تكون أكثر ديمومة، ويتعين أن تمر المعلومات من ذاكرة العمل العابرة إلى الذاكرة طويلة الأمد لكي تُحفظ. وأي انقطاع في عمليات الذاكرة العاملة مثل التوقف لمراجعة البريد الالكتروني أو كتابة رسالة نصية فيما أنت مستغرق في قراءة مقالة، يمكن أن يمحو المعلومات من دماغك قبل أن يحدث الانتقال من الذاكرة الآنية إلى الذاكرة طويلة الأمد، وهناك أيضا حدود لكمية المعلومات التي يمكن أن تستوعبها الذاكرة العاملة في وقت واحد. فإن تلقي سيل منهمر من المعلومات، كما يحدث على الأنترنت، أشبه بصب الماء في قدح دون توقف طيلة اليوم فينسكب ويضيع ما موجود من ماء على السطح ليحل محله ماء جديد وهكذا…
ـ الاعتماد على الأنترنت لتذكُّر الأشياء
كان الأشخاص في السابق قادرين على حفظ كميات كبيرة حقا من المعارف مثل حفظ كتاب كامل على ظهر قلب، ولكن التكنولوجيا أنهت الحاجة والدافع إلى القيام بذلك. فأنت حين تعرف أن غوغل أو هاتفك الذكي قادر على حفظ معلومة ما بالنيابة عنك يكون من المستبعد أن تحفظها في ذاكرتك، كما أظهرت دراسات. ويقول باحثون إن الأنترنت أشبه بالذاكرة الصلبة بالنسبة لدماغ الانسان بعد أن أصبحنا نحيل كمية متزايدة من المعلومات إليها.
ـ ويصبح المرء أكثر نسيانا من المعتاد
أظهرت دراسة أن احتمالات أن ينسى الشباب الذين نشأوا في عصر الأنترنت أي يوم من الأسبوع نحن فيه أو أين تركوا مفاتيحهم أكبر منها بين الأشخاص في سن الخامسة وخمسين أو أكبر. وقالت الطبيبة المختصة بالأمراض المهنية باتريشيا غوتينتاغ إن التكنولوجيا الحديثة هي أحد الأسباب الرئيسية لهذا النسيان بين الشباب. وأوضحت غوتنينتاغ أن هذا الجيل تعلَّم أداء عدة وظائف في وقت واحد معتمدا على التكنولوجيا واقتران ذلك في أحيان كثيرة بقلة النوم ومن شأن هذا كله أن يسفر عن ارتفاع مستوى النسيان.
ـ ضعف التركيز أثناء القراءة
حتى في غياب أي أسباب للسهو أو الإلهاء، فإن درجة استيعاب المعلومات التي يقرأها المرء على الأنترنت تكون أقل من درجة استيعابها حين تُقرأ في كتاب. والمسؤول الأول عن ذلك هو النص التشعبي. فإن الروابط التي تتخلل المقالات المنشورة على الأنترنت تدفع الدماغ إلى العمل بطاقة أكبر دون أن يبقى منها ما يكفي لتحليل المادة المقروءة. وأظهرت دراسات أن مجرد القراءة على شاشة الكومبيوتر المحمول أو اللوحي حتى من دون روابط تلهي القارئ، تخفض درجة الاستيعاب.
ـ العجز عن معرفة الأماكن من دون تكنولوجيا الملاحة الأرضية
يكون نشاط منطقة “الحصين” المسؤولة عن الذاكرة في الدماغ أقل لدى الأشخاص الذين يعتمدون على النظام العالمي لتحديد المواقع أو تكنولوجيا الملاحة الأرضية عموما، كما أكدت سلسلة من الدراسات. بل توصلت دراسة أُجريت في جامعة لندن إلى أن منطقة الحصين في أدمغة سائقي سيارات الأجرة أكثر تطورا منها عند السائقين الآخرين لأن سائقي سيارات الأجرة متعودون على استخدام الذاكرة المكانية في التنقل داخل المدن.
ـ دماغ من يعتمد على الأنترنت وحدها أشبه بدماغ المدمن على المخدرات
يؤكد خبراء أن الادمان على الأنترنت ليس فزاعة يشهرها الآباء لتخويف اليافعين الذين يقضون ساعات طويلة على الألعاب الإلكترونية. فإن قضاء ساعات أطول من اللازم على الأنترنت يمكن حقا أن يؤدي إلى تغيرات في المخ تشبه التغيرات التي تحدث بسبب الادمان على المخدرات أو الكحول، كما حذرت دراسة نُشرت في عام 2012. وأن المادة البيضاء والرمادية في أدمغة مدمني الأنترنت تكون غير طبيعية تعيق عمل مناطق الدماغ الأخرى المسؤولة عن تحليل العواطف وتنظيم عملية التركيز واتخاذ القرارات. ويصح هذا بصفة خاصة على مدمني الألعاب الالكترونية الذين لا يأكلون ولا يحضرون الدروس ولا ينامون من أجل اللعب أياما متواصلة. واكتشفت الدراسة أن مواطن الخلل والشذوذ في أدمغة المدمنين على الكحول والمخدرات ومدمني الأنترنت متشابهة على نحو لافت.
يؤكد الخبراء أن لدى مستخدمي الأنترنت القدرة على وقف استنزاف قدرات المخ وهدر الوقت بالابتعاد عنها بين حين وآخر وتوظيف ملكاتهم الفكرية وحمايتها من الضمور الذي يسبب الاعتماد في كل شيء على الأنترنت.